مقابسة : في علم النجوم وهل هو خال من الفائدة..

مقالات خاصة في التنجيم واحكامه
قوانين المنتدى
• تنبيه : هذا قسم خاص للمواضيع والمقالات الخاصة في التنجيم وليس للطلبات العلاجية او الاستفسارات لذلك لزم التنويه والتنبيه.
• الطلبات توضع في قسم للطلبات المتنوعة الروحانية وغيرها والا فلن يتم الرد عليك ولربما سيتم حذف طلبك .
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
Zenobia
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 3045
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
الجنس: انثى
اتصال:

مقابسة : في علم النجوم وهل هو خال من الفائدة..

مشاركة بواسطة Zenobia »

﴿في علم النجوم وهل هو خال من الفائدة دون سائر العلوم وكيفية ارتباط السلفيات بالعلويات
هذه مقابسة دارت في مجلس أبي سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني وعنده أبو زكريا الصميري والنوشجاني أبو الفتح والعروضي أبو محمد المقدسي والقومسي وغلام زحل وكل واحد من هؤلاء إمام في شأنه وفرد في صناعته سوى طائفة دون هؤلاء في الرتبة وهم أحياء بعد فاستخلصتها جهدي ورسمتها في هذا الموضع وقد كادت تضيع في جملة تعليق كثير ضاع إستعضت منه الحسرة والأسى. ومن حق العلم وحرمة الأدب وذمام الحكمة أن يتحمل كل مشق دونها ويصبر على كل شديد في اقتنائها وتحصيلها. ولا أنسب فضلاً إلى واحد منهم بعينه لأن شديد في اقتنائها وتحصيلها. ولا أنسب فضلاً إلى واحد منهم بعينه لأن الكلام بينهم كان يلتف ويلتبس وكانت المباهاة والمنافسة يدخلان فيه ويظهران عليه وينالان منه وهذا من ذوي الطبائع المختلفة معروف ومن أصحاب التنافس معتاد ولو استتب القول بين سائل ومسؤل لحكيت الحال مقرباً ومبعداً ومصوباً ومصعداً ولكن الأمر على ما عرفتك فكن عاذري عند خلل يمر إن أبيت أن تكون شاكري عند صواب تظهر عليه إن شاء الله تعالى.
قيل: لم خلا علم النجوم من الفائدة والثمرة وليس علم من العلوم كذلك فإن الطب ليس على هذا بل الناظر فيه والشادي منه والكامل من أهله يقصد بالطب استدامة الصحة ما دامت الصحة موجودة وصرف العلة إذا كانت العلة عارضة وكذلك النحو الذي قصد به الماهر فتق المعاني وصحة الألفاظ وتوخي الإعراب واعتياد الصواب ومجانبة اللحن على حدود ما في غرائز العرب وطبائعها وسلائقه.
وكلك الفقه الذي قصد به صاحبه إصابة الحكم واقتضاب الفتيا وإيجاب الحق ورفع الخلاف وإقماع الخصم وحسم مواد التنازع ورد أهله إلى الرضى والتسليم.
وكذلك الشعر الذي منتهاه قائم في نفس صاحبه ثابت في قريحته يجيش به صدره ويجود به طبعه ويصح عليه ذوقه من مدح مأمول وترقيق غزل وهجو مسيء واستنزال كريم وتوشية لفظ وتحلية وزن وتقريب مراد وإحضار خدعة واستمالة غرير وضرب مثل واختراع معنى وانتزاع تشبيه مع تصرف في الأعاريض بين وقيام بالقوافي ظاهر وكذلك الحساب الذي نفعه ظاهر ومحصوله حاضر وفائدته عامة ونتيجته منجذبة وثمرته دانية وغبه محمود وجدواه موجودة به صحت المعاملة وقامت الدولة وحرس الملك وجبي المال وأمن الغبن وقام الديوان وقوى السلطان وقرت الرعية واستفاضت السيرة واستمرت القضية هذا إلى أسرار فيه عجيبة وغوامض ترجع إليه شريفة وخواص لا توجد لغيره غريبة.
وكذلك البلاغة التي قد علم صاحبها وطالبها ما ينتهي إليه ويقف عليه من تنميق لفظ وتزويق غرض وتغطية مكشوف وتعمية معروف وإحضار بينة وإظهار بصيرة واختصار آت وتقليق بات وتأليف شارد وتسكين مارد وهداية متحير وإرشاد متسكع وإقامة حجة وإرادة برهان واستعادة مزيد وتليطف قول في عتب وتسهيل طريق في إعتاب وتهنئة مسرور وتسلية مخزون وتلهية عاشق وتزهيد راغب ونضح عن عرض وحسم مادة من طمع وقلب حال عن حال حتى تضم بها أمور منتشرة وتندمل بها صدور منفطرة وتتسق بها أحوال متعاندة وتستدرك بها حسرات فائته وتخمد نيران ملتهبة.
وكالصناعات كلها: كالهندسة في شرفها والهيئة في علو رتبتها. وحدود هذه العلوم بعيدة وفوائدها جمة. وليس هذا القدر آتياً على حقائقها ولكنه مشير إلى موضع المسألة والبحث عنها. فقد وضح لكل ذي حس مقيد وعقل متأيد ورأي صحيح وذكاء صريح أن هذه العلوم كثيرة المنافع عامة المصالح حاضرة المرافق. وأن الناس لو خلوا منها وعروا عنها لتبدد نظامهم وانقطع قوامهم وكانوا نهباً لكل يد وحيارى طول الأبد.

وليس علم النجوم كذلك! فإن صاحبه وإن استقصى وبلغ الحد الأقصى في معرفة الكواكب وتحصيل مسيرها واقترانها ورجوعها ومقابلتها وتربيعها وتثليثها وتسديسها وضروب مزاجها في مواضعها من بروجها وأشكالها ومقاطعها ومطالعها ومشارقها ومغاربها مذاهبها حتى إذا حكم أصاب وإذا أصاب حقق وإذا حقق جزم وإذا جزم حتم فإنه لا يستطيع البتة قلب عين شيء ولا صرف أمر إلى أمر لا تنفير حال قد دنت ولا نفي ملمة قد كتبت ولا دفع سعادة قد أجمعت وأظلت. أعني أنه لا يقدر على أن يجعل الإقامة سفراً ولا الهزيمة ظفراً ولا العقد حلا ولا الإبرام نقضاً ولا الإياس رجاء ولا الإخفاق دركاً ولا العدو صديقاً ولا الولي عدواً ولا البعيد قريباً ولا القريب بعيد.
وهذا باب طويل والحديث فيه ذو شجون وكأن العالم به الحاذق فيه المتناهي في حقائقه بعد هذا التعب والنصب وبعد هذا الكد والدأب وبعد هذه الكلفة الشديدة والمؤنة الغليظة مستسلم للمقدار ومستجد لما يأتي به الليل والنهار وعادت حاله مع علمه الكبير وبصيرته الناقدة إلى حال الجاهل بهذا العلم الذي انقياده كانقياده واعتباره كاعتباره! ولعل توكل الجاهل به أحسن من توكل العالم ورجاءه في الخير المتوقع والشر المتوقى أقوى وأرسخ من رجاء هذا المدل بزيجه وحسابه وتقويمه واصطرلابه قالوا: ولهذا روى الصالحون أن الثوري لقي ما شاء الله فقال له: أنت تخاف زحل وأنا أخاف رب زحل وأنت ترجو المشتري وأنا أرجو رب المشتري وأنت تغدو بالاستشارة وأنا أغدو بالاستخارة فكم بيننا فقال له ما شاء الله: كثير ما بيننا حالك أرجى وأمرك أنجح وأحجى.
قال: وهذا أنو شروان وكان من المغفلين الأفاضل روى عنه أنه كان لا يريغ بالنجوم فقيل لهفي ذلك فقال: صوابه شبيه بالحدس وخطاؤه شديد على النفس.
هكذا ترجم وهو كما ترى.

قال: فمتى أفضى هذا الفاضل التحرير والحاذق البصير إلى هذا الحد والغاية كان علمه عارياً من الثمرة خالياً من الفائدة حائلاً عن النتيجة لا عائدة ولا مرجوع وأن أمراً أوله على ما قررنا وآخره على ما ذكرنا لحرى بأن لا يشغل الزمان به ولا يوهب العمر له ولا يعار الهم والكدر ولا يعاد عليه بوجه ولا سبب. هذا إذا كانت الأحكام صحيحة ومدركة محققة أو مصانة ملحقة ومعروفة محضة ولم يكن المذهب ما زعم. وأرباب الكلام والدين يأبون تأثير هذه الأجرام العالية في هذه الأجسام السافلة وينفون الوسائط والوصائل ويدفعون الفواعل والقوابل. فحصلت حفظك الله المسألة بعد تشذب الكلام فيها ووعيتها جهدي من أولها إلى آخرها بطولها وعرضها ودخلها ومغزاها. ولا أشك في أطراف زلت عني عند اختلاقها واقتباسها وقد ثقفت الجواب عنها على أوجه أنا أجتهد في الأعراب عنها في هذا الموضع بمبلغ وسعى فإني بين فائتة لا علم لي بها. وبين زيادة لا يطمئن متن الكلام إلا بها وكلتاهما خطة صعبة لو لا كلف النفس بالعلم ومحبتها للفائدة لكان الإضراب عنها أذب عن العرض وأصون للقدر وأبعد من استدعاء اللائمة ممن لعله لو أتى بهذا المقدار لكان عندي عظيم المنة حقيقاً بالشكر والمحمدة.
فأول ما قيل في ضد هذا الكلام:
هذه العلوم والمعارف كلها من أثار هذه الأجرام العلوية وسهام الخواطر السريعة والبطيئة والمتوسطة على أشكال صحيحة دائبة وأسباب على الطبيعة جارية.
ثم رجع إلى الجواب فقال قائل: عن هذه المسألة لا على هذا التهويل جوابان مختلفان من وجهين مختلفين: أحدهما هو زجر عن النظر فيه لئلا يكون هذا الإنسان مع ضعيف مخيلته واضطراب غريزته وانفتات طينته وانبتات مريرته عن ربه بحاثاً متكبراً على عباده ظاناً بأنه مأتي في شأنه قائم بجده وقدرته وحوله وقوته وتشميره وتقليصه وتهجيره وتعريسه فإن هذا النمط يحجز الإنسان عن الخشوع لخالقه والإذعان لربه ويبعده عن التسليم لمدبره ويحول بينه وبين طرح الكل بين يدي من هو أملك له وأولى به.
وأما الجواب الآخر فهو بشرى عظيمة على نعمة جسيمة لمن حصل له هذا العلم وذلك غيب لو اطلع عليه وسر لو وصل إليه لكان ما يجده الإنسان فيه من الروح والراحة والخير في العاجلة والآجلة يكفيه مؤونة هذا الخطب الفادح وينهيه عن تجشم هذا الكد الكادح فاجعل أيها المفكر لشرف هذا العلم بدل طلبك ما يخفي عنك خفيه ومكنونه تذللاً لله تقدس اسمه فيما استبان لك معلومه وصح عندك مظنونه.

ثم قال: اعلم أن العلم حق ولكن الإصابة بعيدة وما كل صواب معروفاً ولا كل محال موصوفاً وإنما كان العلم حقاً والاجتهاد في طلبه مبلغاً والقياس فيه صواباً والسعي دونه محموداً لامتثال هذا العالم السفلي بذلك العالم العلوي واتصال هذه الأجسام القابلة بتلك الأجرام الفاعلة واستحالة هذه الصور بحركات تلك المتحركات المتشاكلة بالوحدة. وإذا صح هذا الاتصال والتشابك وهذه الحبائك والربط صح التأثير من السفلى بالمواصلات الشعاعية والمداءبات والأحوال الخفية والجلية. وإذا صح التأثير من المؤثر وقبوله من المقابل صح الاعتبار واتسق القياس وصدق الرصد وثبت الألف واستحكمت العادة وانكشفت الحدود وانثالت العلل وتعاضدت الشواهد وصار الصواب غامراً والخطأ مغموراً والعلم جوهراً راسخاً والظن عرضاً زائل.
ثم تشقق الكلام في وجوه مختلفة حتى كاد لا يحصل منه ما يكون تلو المسألة والجواب ولم أزل أرقى وأنفث وأغزل وأنكث حتى نظمت هذا الذي يمر بك في هذا المكان على تنافر كثير وتعاند شديد وبين أول وآخر وصدر وعجز وسلامة ودخل واقباس اقتباس فمن جملة ذلك وحومته أن قيل: هل تصح الأحكام أم لا تصح فكان من محصول الجواب أن قال قائل: الأحكام لا تصح بأسرها ولا تبطل من أصلها. وتلك ليست بالهوينا إذا أنعم النظر ونشط للإصغاء وصمد نحو الفائدة بغير متابعة الهوى وإيثار التعصب لأن الأمور الموجودة على ضربين: ضرب له الوجود الحق فالأمور الموجودة بالحق قد أعطت البقية نسبة من جهة الوجود وارتجعت منها حقيقة ذلك فالحاكم بالاعتبار الفاحص عن هذه الأسرار إن أصاب فبنسبة الوجود الذي لهذا العالم السفلي من ذلك العالم العلوي وإن أخطأ فيما فات هذا العالم السفلي من ذلك العالم العلوي. والإصابة في هذه الأمور السيالة المتبدلة عرض والإصابة في أمور الفلك جوهر. وقد يكون هناك ما هو كالخطأ ولكن بالعرض لا بالذات. فلهذا صح بعض الأحكام وبطل بعض الأحكام.
ومما يكون إباداً لهذا الفصل وشاهداً قوياً: أن هذا العالم السفلي مع تبدله في كل حال واستحالته في كل طرف ولمح متقبل لذلك العالم العلوي شوقاً إلى كماله وعشقاً لجماله وطلباً للتشبه به وتحقيقاً بك ما أمكن من شكله فهو بحق التقبل يعطي هذا العالم السفلي ما يكون مشابهاً للعالم العلوي.
ومن هذا الباب تقبل الإنسان الكامل من البشر من الملك وتقبل الملك من الباري وكذلك تقبل الطبيعة للنفس والنفس للعقل والعقل للباري.
قال آخر: وإنما وجب هذا التقبل والتشبه لأن وجود هذا العالم وجود متهافت مستحيل لا صورة له ثابتة ولا شكل دائم ولا هيئة معروفة. وكان من هذا الوجه فقيراً إلى ما يمده ويشده وأما سنخه وسوسه فهو موجود ثابت مقابل لذلك العالم الموجود الثابت. وإنما عرض ما عرض لأن أحدهما مؤثر والآخر قابل فبحق هذه المرتبة ما وجد التباين وبحق تلك المرتبة وقال آخر: وقد يغفل مع هذا كله المنجم اعتبار حركات كثيرة من أجرام مختلفة لأنه يعجز عن نظمها وتقويمها ومزجها وتسييرها وتفسير أحوالها وتحصيل خواصها مع بعد حركة بعضها وقرب حركة بعضها وبطئها وسرعتها والتفاف صورها والتباس مقاطعها وتداخل أشكالها ومن الحكمة في هذا الإغفال أن الله تقدس إسمه يتميز بذلك القدر المغفل والقليل الذي لا يؤبه له والكثير الذي لا يحاول البحث عنه أمراً لم يكن في حساب الخلق ولا فيما علموا فيه القياس واختلط بالتقدير والتوهم.
قال: ولهذا يحكم هذا الحاذق في صناعته لهذا الملك وهذا الماهر في علمه لهذا الملك ثم يلتقيان فتكون الدائرة على أحدهما مع شدة الدفاع وصدق المصاع. هذا وقد حكم له بالغلب والظفر.

قال في هذا الموضع النوشجاني: إنما يؤتى أحد الحاكمين لأحد الملكين لا من جهة غلط في الحساب ولا من قلة مهارة في العمل ولكن يكون في طالعه أن يصيب في ذلك الحكم ويكون في طالع ذلك الملك ألا يصيب منجمه في تلك الحرب فمقتضى حاله وحال صاحبه يحول بينه وبين الصواب ويكون الآخر مع صحة حسابه وحسن إدراكه قد وجب في طالع نفسه وطالع صاحبه ضد ذلك فيقع الأمر الواجب ويبطل الآخر الذي ليس بواجب. وقد كان المنجمان من جهة العلم والحساب أعطيا الصناعة حقها ووفيا ما عليهما فيها ووقفا موفقاً واحداً على غير مزية بينة ولا علة قائمة
قال أبو سليمان: ما أحسن هذا! وطالما يسكت عن هذه المسألة فانقضت عن جوابها قالوا: ولولا هذه المشيئة المندفئة والغاية المستترة التي استأثر الله بها لكان لا يعرض هذا الخطأ مع صحة الحساب ودقة النظر وشدة الغوص وتوخي المطلوب وتبع غلبة الهوى والميل إلى المحكوم له وهذه البقية دائرة في أمور هذا الخلق فاضلهم وناقصهم ومتوسطهم وفي دقيقها وجليلها وصعبها وذلولها ومن كان له من نفسه باعث على التصفح والنظر والتخير والاعتبار وقف على ما أومأت إليه عن كثب وسلمه من غير منكر ولا صخب.
ثم قيل: ولحكمة جليلة ضرب الله دون هذه العلل بالأسداد وطوى حقائقه عن أكثر العباد وذلك أن للعالم بما سيكون ويحدث ويستقبل علم خلق للنفس واقع عند العقل فلا أحد إلا وهو يتمنى أن يعلم الغيب ويطلع عليه ويدرك ما سوف يكون في غد ويجد سبيلاً إليه ولو دل السبيل إلى هذا الفن لرأيت الناس يهرعون إليه ولا يؤثرون سبيلاً آخر عليه لحلاوة هذا العلم عند الروح ولصوقه بالنفس وغرام كل أحد به وفتنة كل إنسان فيه فبنعمة من الله لم يفتح هذا الباب ولا انكشف من دونه الغطاء حتى يرتعي كل أحد روضه ويلزم حده ويرغب فيما هو أجدى عليه وأنفع له أما عاجلاً فقد علمت أن علم ما يكون أحب إلى جميع الناس من كل فقه وكلام وأدب وهندسة وشعر وحساب وطب لأن هذه رتبة إلآهية وهي الفاصلة الكبرى. فطوى الله عن الخلق حقائق الغيب ونشر لهم نبذاً منه وشيئاً يسيراً يتعللون به ليكون هذا العلم محروصاً عليه كسائر العلوم ولا يكون مانعاً عن غيره.

قال: ولولا هذه البقية التي فضحت الكاملين وأعجزت القادرين لكان تعجب الخلق من غرائب الأحاديث وعجائب الضروب وظرائف الأحوال عبثاً وسفهاً وتوكلهم على الله لهواً ولعب.
ثم قيل: وهذا يتضح بمثال وليكن ذلك المثال ملكاً في زمانك وبلادك واسع الملك عظيم الشأن بعيد الصيت شائع الذكر معروفاً بالحكمة مشهوراً بالحزامة متصل اليقظة قد صح عنه أنه يضع الخير في موضعه ويوقع الشر في موقعه عنده جزاء كل سيئة وثواب كل حسنة قد رتب لبريده وأصلح الأولياء له وكذلك نصب لجباية أمواله أقوم الناس بها ويعاقب ويثيب ويفقر ويغني ويحسن ويسيء.
وكذلك لعمارة الأرض أنهض الناس بها وأنصحهم فيها! وشرف آخر بكتابته لحضرته وآخر بخلافته ووزارته في حضره وسفره. إذا نظرت إلى ملكه وجدته موزوناً بسداد الرأي ومحمود التدبير وأولياؤه حواليه وحاشيته بين يديه وكل يخف إلى ما هو منوط به ويبذل وسعه دونه.

والملك يأمر وينهي ويصدر ويورد ويحل ويعقد وينظم ويبدد ويعد ويوعد ويبرق ويرعد ويقدم ويؤخر ويخلع ويهب وقد علم صغير أوليائه وكبيرهم ووضيع رعاياه وشريفهم ونبيه الناس وخاملهم أن الرأي الذي يطلق بأمره كذا وكذا صدر من الملك إلى كاتبه لأنه من جنس المكاتبة وعلائقها وما يدخل في شرائطها ووثائقها. والرأي الآخر صدر إلى صاحب بريده لأنه من أحكام البريد وفنونه وما يجري في كليته والأمر الآخر ألقى إلى صاحب المعونة لأنه من جنس ما هو مرتب له ومنصوب من أجله والحديث الا الآخر صدر إلى القاضي لأنه من باب الدين والحكم والقضاء. في كل هذا مسلم إليه ومعصوم به لا يفتات عليه في شيء ولا يستبد بشيء دونه فالأحوال على هذا كلها جارية على أذلالها وقواعدها في مجاريها لا يزل منها شيء إلى غير شكله ولا يرتقى إلى ما ليس من خليقته وهكذا ما عدا جميع ما حددناه باسمه وحكيناه برسمه فلو وقف رجل له من الحزم نصيب ومن الفطنة قسط على هذا الملك العظيم وعلى هذا الملك الجسيم وسدد فكره وحدد وهمه وصرف ذهنه وتصفح حالاً حالاً وحسب شيئاً شيئاً وقدر أمراً أمراً وتأمل باباً باباً وتخلل شيئاً شيئاً ورفع سجفاً سجفاً وتقفر وجهاً وجهاً لأمكنه أن يعلم ما يتم له هذا النظر ويسره هذا القياس ويصدره هذا الحدس ويقع عليه هذا الإمكان لما سيعمله هذا الملك غداً أو يسديه بعد غد وما يتقدم به إلى شهر وما يكاد يكون منه إلى سنة وسنين لأنه على الأحوال ملياً ويجلوها جلواً ويقايس بينها قياساً ويلتقط من الناس لفظاً لفظاً ولحظاً لحظاً ويقول في بعضها: يترك كذا وكذا ويفعل كذا وكذا وهذا يدل على كذا وكذا وإنما جرؤ هذه الجرأة على هذا الحكم والبت لأنه قد ملك لحظ الملك ولفظه وحركته وسكونه وتعريضه وتصريحه وجده وهزله وسجيته وتجعده واسترساله ووجومه ونشاطه وانقباضه وانبساطه وغضبه ومرضاته ونادره ومعتاده وسفره وحضره وبشره وقطوبه ثم يهجس في نفس هذا الملك يوماً هاجس ويخطر بباله خاطر فيقول: أريد أن أعمل عملاً وأوثر أثراً وأحدث حالاً لا يقف عليها أوليائي ولا المطيفون بي ولا المختصون بقربي. ولا المتعلقون بحبالي ولا أحد من أعدائي والمتتبعين لأمري والمحصين لأنفاسي والمترقبين لعطاسي ونعاسي ولا أدري كيف أقترحه لأني متى تقدمت في ذلك بشيء إلى كل من يلوذ بي ويطيف بناحيتي كان الأمر في ذلك نظير جميع أموري وهذا هو الفساد الذي يلزمني تجنبه ويجب على التيقظ فيه. فيقدح له الفكر الثاقب والذكاء اللاهب أنه ينبغي أن يتأهب للصيد ذات يوم فيتقدم بذلك ويذيعه ويطالب به فيأخذ أصحابه وخاصته في أهبة ذلك وإعداد الآلة فإذا تكامل ذلك له أصحر للصيد وتشوف له وتطلبه في البيداء وصمم على بعض ما يلوح له وأمعن قبله وركض خلفه جواده وشدد في طلبه بداده ونهى من معه أن يتبعه حتى إذا وغل في تلك الفجاج الخاوية والمدارج المتنائية وتباعد من متن الجادة وواضح المحجة صادف إنساناً فوقف عليه وحاوره وفاوضه فوجده حصيفاً محصلاً يتقد فهما وينتقد إفهاماً وقال له: أفيك خير فقال: نعم وهل الخير إلا في وعندي وإلا معي ألق إلى ما بدا لك وخلني وذلك فقال له: إن الواقف عليك والمكلم لك ملك هذا الإقليم فلا ترع واهدأ ولا تقلق فيكفر له عند سماع هذا ويقول: السعادة قيضتني لك والجد أطلعك علي فيقول له الملك: إني أريد أن أصطفيك لأرب في نفسي وأبلغ بك إن بلغت ذلك لي وأريد منك أن تكون عيناً على نفسك زكية وصاحباً لي نصوحاً فقم لي بذلك بجهدك ووسعك واطو سري عن مسانح فؤادك فضلاً عما خلا ذلك. فإذا بلغ منه غاية الوثيقة والتوكيد ألقى إليه عجرته وبجرته ويعثه على السعي والنصح وتحري الرضى ووصاه بما أحب وأحكمه وأزاح علته في جميع ما يتعلق المراد به ولا يتم إلا بحضوره. ثم ثنى عنان دابته إلى وجه عسكره وأوليائه ولحق بهم وتعلل بقية النهار في قضاء وطره من صيده. ثم عاد إلى سريره في داره ومقره في ملكه. وليس عند أحد من رهطه وبطانته وغاشيته وحاشيته وخاصته وعامته علم بما قد أسره إلى ذلك الكهل الصحراوي وبما حادثه فيه. والناس على سكناتهم وغفلاتهم حتى أصبحوا ذات يوم عن حادث عظيم وأمر جسيم وشأن هائل وعارض محير.
وكل عند ذلك تهول: ما أعجب هذا من فعل هذا متى تهيأ هذا من ارتصد لهذا من انتصب لهذا وكيف تم هذا هذا صاحب البريد وليس عنده منه أثر! وهذا صاحب المعونة وهو عن الخبرة به بمعزل! وهذا الوزير الأكبر وهو متحير! وهذا القاضي وهو متفكر! وهذا حاجبه وهو ذاهل! وكلهم عن الأمر الذي دهم مشدوه وهو منه متعجب!... وقد قضى الملك مأربته وأدرك حاجته وأصاب طلبته وبلغ غايته وأنفذ رأيه ونال أربه

كذلك ينظر هذا المنجم إلى زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر وإلى البروج وطبائعها والرأس ولا ذنب وتقاطعهما والهيلاج والكد خذاة وإلى جميع ما دانى هذا وقاربه وكان له فيه نتيجة وثمرة فيحسب ويمزج ويرسم ويقلب. عند أشياء كثيرة من سائر الكواكب التي لها حركات بطية وآثار مطوية فينبعث بما أغفله وأهمله وأضرب عنه ولم يتسع له ما يملك عليه حسه وعقله وفكره ورويته حتى لا يدري من حيث أتى ولا من أين دهى وكيف امتزج عليه الأمر وانسد دونه الطلب وفاته المطلوب وعزب عنه الرأي! هذا ولا خطأ في الحساب ولا تقصير في الحق وهذا كي يلاذ بالله عز وحل في الأمور ويعلم أنه مالك الدهور ومدبر الخلائق وصاحب الدواعي والعوائق والعالم على كل نفس والخاطر عند كل نفسس وأنه إذا شاء نفع وإذا شاء ضر وإذا شاء أسقم وإذا شاء شفى وإذا شاء أغنى وإذا شاء أفقر وإذا شاء أحيا وإذا شاء أمات وأنه كاشف الكربة والمؤنس في الغربة وأنه المجلي الغمة وصارف الأزمة ليس فوق يده يد وهو الأحد الصمد على الأبد والسرمد.
وكنت سمعت الحراني الصوفي يقول قديماً بمكة وكان شام شيئاً من الحكمة وعرف ذرواً من حديث الأوائل فقال: هذه الأمور وإن كانت منوطة بهذه العلويات مربوطة بالفلكيات عنها تحدث ومن جهتها تنبعث فإن في عرضها ما لا يستحق أن ينسب إلى شيء منها إلا على وجه التقريب. قال: ومثال ذلك ملك له سلطان واسع ونعمة جمة يفرد كل أحد بما هو لائق به وبما هو ناهض فيه فيولي مثلاً بيت المال خازناً مليئاً كافياً شهماً يفرق على يده ويجمع على يده ثم إن هذا الملك قد يضع في هذه الخزانة شيئاً لا علم للخازن به وقد يخرج منها شيئاً لا يقف الخازن عليه ويكون هذا منه دليلاً على ملكه واستبدادة وعلى تصرفه وقدرته.
إلى ها هنا كان كلام الحراني ومثله هذا وإن كان نظيراً للمثل الأول فإنه شاهد له وجار معه
.
وقيل أيضاً في عرض الكلام الذي كان بين أولئك المشايخ ما هو زجر عن تعاطي هذا العلم لما كان عالم النجوم وصاحب الشغف بالأحكام يريد أن يقف على أحداث الزمان في مستقبل الوقت من خير وشر وخصب وجدب وسعادة نحس وولاية وعزل ومقام وسفر وغم وفرح وفقر ويسار ومحبة وبغض وجدة وعدم وعافية وسقم وألفة وشتات وكساد ونفاق وإصابة وإخفاق وراحة ومشقة وقسوة ورقة وتيسير وتعسير وتمام وانقطاع والتئام وانصداع وافتراق واجتماع واتصال وإنبتات وحياة وممات وهو إنسان ناقص في الأصل زائد في الفرع وزيادته في الفرع لا ترفع نقصانه في الأصل لأن نقصانه بالطبع وكماله بالعرض وهو بهذه الحال المحطوطة بالسنخ المزوقة بالطين قد بارى باريه وجاري مجربه ونازع ربه وتتبع غيبه وتوغل علمه وتخلل حكمه وعارض مالكه حرمه الله فائدة هذا العلم وقصر قوته عن الانتفاع به والاستثمار من شجرته وأضافه إلى من لا يحيط بشيء منه ولا تجلى بشيء في باب القسر والقهر وجعل غاية سعيه فيه الخيبة ونهاية علمه منه الحيرة وسلط عليه في صناعته الظن والحدس والحيلة والزرق والكذب والختل.
ولو شئت لرويت من ذلك صدراً وهو مبثوث في الكتب ومنشور في المجالس ومتداول بين الناس بذلك وأشباهه حط رتبته ورده على عقبيه ليعلم أنه لا يعلم إلا ما علم وأنه ليس له أن يتمطى بما علم على ما جهل فإن الله لا شريك له في غيبه ولا وزير له في ربوبيته وأنه يؤنس بالعلم ليطاع ويعبد ويوحش بالجهل ليفزع إليه ويقصدن عز رباً وجل إلاهاً وتقدس مشاراً إليه وتعالى معتمداً عليه. وهذا كما ترى.

قال العروضي: قد يقوى هذا العلم في بعض الدهر حتى يشغف به ويدان بتعلمه بقوة سماوية وشكل فلكي فيكثر الاستنباط والبحث وتستبد العناية والفكر فتغلب الإصابة حتى يزول الخطأ وقد يضعف هذا العلم في بعض الدهر فيكثر الخطأ فيه لشكل آخر يقتضي ذلك وحتى يسقط النظر فيه ويحرم البحث عنه ويكون الدين حاظراً لطلبه والحكم به وقد يعتدل الأمر في دهر آخر حتى يكون الخطأ في وزن الصواب والصواب في قدر الخطأ وتكون الدواعي والصوارف متكافئة ويكون الدين لا يحث على طالبه كل الحظر.
قال: وهذا إذا صح تعلق الأمر كله بما يتصل بهذا العلم السفلي من ذلك العالم العلوي فإذاً الصواب والخطأ محمولان على القوى المنبثة والأنوار الشائعة والآثار الرائعة والعلل الموجبة والأسباب الموافقة.
ورأيت أبا سليمان يرتضى بهذا القول ويقوي هذا الرأي قال النوشجاني: إنما القوم اختصروا الكلام وقربوا البغية فإن الإطالة مصدة عن الفائدة ومضلة الفطن والفهم
.
فقال غلام زحل: ليس عن جواب يتسبب على كل وجه فقيل: ولم بين قال: لأن صحتها وبطلانها متعلقان بآثار الفلك وقد يقتضي شكل الفلك في زمان أن لا يصح منها شيء وإن غيص على دقائقها وبلغ إلى أعماقها وقد يزول ذلك الشكل فيجيء زمان لا يبطل منها شيء فيه وإن قورب في الاستدلال وقد يتحرك هذا الشكل في وقت آخر إلى أن يكثر الصواب فيهما ويتقاربان ومتى وقف الأمر على هذا الحد لم يثبت على قول قضاء ولا يوثق بجواب.
فقال أبو سليمان: هذا أحسن ما يمكن أن يقال في هذا الباب وهو الذي من كلام الشيخ ألي محمد.
قيل بعد هذا كله
: فأما الجواب الذي هو كالبشرى بفائدة هذا العلم وثمرة هذه الحال على ما تقدم من قول من قال من الجماعة فهو ما أختم به هذا المقابسة إن شاء الله تعالى. وإنما أحيز في الرواية قليلاً لأن كلام القوم اختلط اختلاطاً منع من أداء ما جرى من ذلك على كنهه وخاصته بعضه بالطول وبعضه بالتحريف وبعضه بالدقة والغموض وبعضه بالكناية والتعريض ولولا أني خلعت الحياء خلعاً وتصديت للوم تصدياً في تحرير هذا الكلام على ما به من اضطراب اللفظ وانتثار المعنى وزيغ التأليف وترامي الحكاية لكان ذلك كله منسياً في جملة ما نسي ومغموراً في غمار ما جهل وفائتاً في عرض ما فات والعلم حرسك الله وحشي والحكمة نفور والبيان حروف والبلاغة ظنون والجهل صاحب والسفه طباع والعي ألوف والقلب شعاع. وعلى ذلك فقد نسقت في هذا الكتاب ما إن لم تكن فيه فائدة لغيري لم يعد أن تكون تذكرة لنفسي وتبصرة لمن يعزو معزاي. إلى الله نشكو تسوالنا في إيثار الصدق وتحقيق العقد وتصفية الخلق وما قد حل بنا ونزل بساحتنا من فقد الناصر وإسلام المعين فنحن كما قال القائل: افتضحنا فاصطلحن.
قال بعض الحاضرين:
إن الله تعالى وتقدس اخترع هذا العالم وزينه ورتبه وحسنه ووشحه ونظمه وهذبه وقومه وأظهر عليه البهجة وأبطن في أفنائه الحكمة وحفه بكل ما اطبا العقول تصفحه ومعرفته وحشاه بكل ما حث النفوس إلى تقليبه والتعجب من أعاجيبه وأمتع الأرواح بمحاسنه وأودعه أموراً واستجن به أسرار ثم حرك أولئك عليها حتى استثارته ولقطتها واجتلتها وعشقتها وولهت عليها لأنها عرفت بها ربها وخالقها تبارك وتقدس مزج بعبض ما فيها ببعض وركب بعضه على بعض وأحال بعضه إلى بعض بوسائط من أشخاص وأحساس وظبائع وأنفس وعلوم وعقول وتصرف في ملكه بقدرته وحكمته لا معيب الفضل ولا مقلى الاختيار ولا مردود الحكم ولا مجحود الذات ولا محدود الصفات وهو سبحانه مع هذا كله لم يستفد شيئاً ولم ينتفع بشيء بل استفاد منه كل شيء بحسب مادته المنقادة وصورته المعتادة ولم يثبت بشيء وثبت به كل شيء ولم يحظ بشيء وحظى به كل شيء فهو الفاعل القادر والجواد الواهب والمنيل المفضل والأول السابق والواحد المطلق. فلما كان الباحث عن العالم العلوي يتصفح سكانه ويتعرف أماكنه وآثاره ومواقعه وأسراره متعرضاً لأن يكون مشابهاً لباريه مناسباً لربه. بهذا الوجه المعروف استحال أن يستفيد بعلمه كما استحال وبطل أن يستفيد خالقه بعلمه. لأن نعته لصق به وحكمه لزمه وحليته بدت منه وصفته عادت عليه وهيئته تعلقته. هذه حال إذا فطن لها وأشرف عليها ببصيرة ثاقبة وتحقق حقيقتها وتولى للخبرة بنسي ما فيها علم اضطراراً عقلياً أنها أجل وأعلى وأنفس وأسنى وأرفع وأوفى وأعظم وأزكى وأدوم وأبقى من جميع فوائد سائر العلوم التي حازها إليك العالمون. لأن أولئك أعملوا فوائد علومهم فيما حفظ عليهم حد الإنسان وخلقه ومادته وشهوته وأخذوا في اجتلاب نفع ودفع ضر ونقصت رتبتهم بمشاكهته ومناسبته والتشبه بخاصيته والتحلي بحليته. وكذلك خبر الله نقصهم في علمهم بفوائد نالوها ومنافع حازوها وأوطار قضوها بسببها فأما من أراد معرفة هذه الخفايا والأسرار في هذه الأجرام والأنوار على ما هيئت له وعبئت عليه ونظمت به ورتبت فيه وزينت بمحاسنه فهو حرى جدير أن يعرى من جميع ما وجده صاحب كل علم من المرافق والمنافع على ما اتسع القول به في فاتحة هذه المقابسة وينفرد بحكم من رتبها على ما هي عليه غير مستفيد بذلك فائدة ولا جدوى. وهذه لطيفة متى وقف عليها حق الوقوف وتقبلت حق التقبل كان المدرك لها أجل من كل طلب وإن عز لأنها بشرية صارت آلهية وجسمية استحالت روحانية وطينية إنقلبت نورية ومركب عاد بسيطاً وجزء حال كلاً. وهذا فن قلما يهتدى إليه ويتنبه عليه. ثم إني بعد هذا كله قلت لأبي سليمان في خلوة أيها الشيخ تكررت في هذه المسألة كلمات جافية بشعة ماينة مكروهة لا أراها تسلم أو تسلم
قال: ما هي قلت: مثل قول القائل: مشاكه لربه ومناسباً لباريه ومثل قوله: نعته لصق به وحكمه لزمه وحيلته بدت منه وصفته عادت عليه! فقال: لعمري إن تقديس الباري يمحق هذا كله ويذهب به ويطرحه وينفيه ولكن إذا عرفه وأشار إليه وكنى عن ربوبته وأفصح عن آلهيته لم يجد بداً من هذه الكلمات التي هي ألطف ما في ملكه وأشرف ما في قوته والمراقى التي هي فوق المرام التي تتراسل بين الخلق في عباراتهم وإشاراتهم لكنها مستعارة في حمى التوحيد وحرم المعرفة مرفوعة المقادير عما يدنسها ويذيلها ويفسدها ويحيلها على عادة أهل اللسان في الأسماء والصفات والحروف والأحداث وإنما يوحى إلى هذه الغايات بهذه العبارات إيحاء لأنها تفوت ذرع القول كما تفوت ذرع العقل وتسبق ظن المقدر كما تسبق وهو المستشعر. وهذا اضطرار اشترك جميع أهل اللغات فيه عند إخبارهم عن آلهتهم إلا من كانت معرفته من جنس معرفة العامة واستبصاره من قبيل استبصارها وعبارته في طريق عبارتها والعامة لا توحيد لها ولا حقيقة معها ولا مبالاة به.
قلت لأبي سليمان في هذا الموضع: حصل لنا في هذه المسألة جوابان: أحدهما زجر عن النظر في هذا العلم على ما طال الشرح فيه والآخر على هذه الفائدة التي تكاد الروح تطير معها طرباً عليها فهل يجوز أن نعتقد فساد أحد الجوابين وهو ما نهى عن التبصر فيه والأخذ بالحظ الوافر منه ليكون الجواب الآخر جامعاً لوجوب الحق فقال: الجوبان صحيحان وذلك أن ها هنا أنفساً خبيثة وعقولاً رديئة ومعارف خسيسة لا يجوز لأربابها أن ينشقوا ريح الحكمة أو يتطاولوا إلى غرائب الفلسفة فالنهي ورد من أجلهم وهو حق والحال هذه الحال. فأما النفوس التي قوتها الحكمة وبلغتها العلم وعدتها الفضائل وعقدتها الحقائق وذخرها الخيرات وعمارتها المكارم وهمتها المعالي فإن النهي لم يتوجه إليها والعيب لم يوقع عليها كيف يكون ذلك وقد بان بما تكرر القول فيه أن فائدة هذا العلم أجل فائدة وثمرته أحلى ثمرة ونتيجته أشرف نتيجة فليكن هذا كله كافا عن سوء الظن وكافياً لك عما وقع القول فيه وطال بين هؤلاء السادة الجحاجحة في الفهم والعلم والبيان هذا أبقاك الله آخر ما نقلت به من حكاية هذه المقابسة بين هذه الطائفة الفاضلة وقد اعتذرت إليك في خلالها مراراً من قصور لا حيلة لي فيه ومن تقصير لم أقصد اختياري إليه وظني بايثارك لستر القبيح على إخوانك ونشر الجميل عن أصدقائك جميل والله كافي وكافيك ونعم الوكيل.

كتاب المقابسات لأبي حيان التوحيدي
 تنبيه مهم : عليك ان تقرأ الشروط عند تقديم اي طلب جديد والا سيتم حذف موضوعك •• اقرأ الشروط ••

تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
صورة العضو الرمزية
خفايا الروح
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 1304
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
البرج: الميزان
الجنس: اختار واحد

مقابسة : في علم النجوم وهل هو خال من الفائدة..

مشاركة بواسطة خفايا الروح »

ماشاء الله موضوع طويل ولكن بفائده قيمه هههههه
الله يعطيك العافيه

تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
صورة العضو الرمزية
Zenobia
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 3045
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
الجنس: انثى
اتصال:

مقابسة : في علم النجوم وهل هو خال من الفائدة..

مشاركة بواسطة Zenobia »

خفايا الروح كتب:ماشاء الله موضوع طويل ولكن بفائده قيمه هههههه
الله يعطيك العافيه

اي طويل طويل لكن مفيد مفيد ههه انا قراته مع ذلك مرتين قبل ما انسخه
وكنت افكر اختصر و انسخ فقط فقرات لكن عجبني كله لانه حوار شيق
و مع ذلك انت اقرا بالفقرات ههه
شكرا مرورك الطيب و الرد الاطيب

تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
أضف رد جديد
  • المواضيع المُتشابهه
    ردود
    مشاهدات
    آخر مشاركة

العودة إلى ”مقالات في التنجيم“