نقاش ( الحكيم أوشو وخدعة التفكير الإيجابي )
مرسل: الجمعة 15-6-2012 11:03 pm
أيها الحكيم أوشو، الجميع في أميركا وحول العالم من متأملين إلى رجال أعمال يستخدمون تقنيات التفكير الإيجابي. فمن خلالها يحاولون تغيير أفكارهم السوداوية السلبية المظلمة الهدّامة وأحوالهم ومخيّلاتهم وتوقّعاتهم وما يحلمون ويؤمنون به، وكذلك يحاولون من خلالها تغيير نمط تفكيرهم في الآخرين، في الوجود وفكرتهم عن أنفسهم إلى أفكار وتوقعات وتخيّلات إيجابية. ليس هذا فقط، بل يحاولون من خلال هذا النمط من التفكير أن يغيروا حياتهم لحياة ناجحة من خلال تخيّل الأشياء التي يطمحون لها والتفكير بها.
حدّثنا يا أوشو عن هذه التقنية وعلاقتها بالوعي الحقيقي والإستنارة الروحية؟
إن تقنية التفكير الإيجابي ليست تقنية لتحويل الإنسان. هي ببساطة تقنية تكْبِت وتقمَع الجانب المظلم السلبي السوداوي داخل الإنسان. إنها تعتمد على الإختيار، والإختيار هو فعل يقوم به العقل، وبهذا أنتم في فخ العقل. هذه التقنية لا علاقة لها بالوعي والإستنارة والشهادة. هذه التقنية هي ضدّ الوعي والإستنارة الروحية والشهادة الحقيقية.
الوعي لا يختار أبداً ... الوعي مستسلم للمشيئة وللحكمة الكونية الإلهية دوماً
التفكير الإيجابي يعني ببساطة إجبار الأفكار والحالات السلبية داخلكم، إجبارها على التسلّل عميقاً داخل اللاوعي فيكم لتحيا في الظلمة هناك حيث لا يلمحها أحد، ومن ناحية أخرى قولَبة العقل الواعي فيكم على التفكير بأفكار وتخيّلات إيجابية.
لكن هل تعلمون أين المشكلة وأين الخطورة؟ إنها لعبة محظورة فالخطورة تكمن في أن اللاوعي داخل الإنسان يفوق عمقه وعي الإنسان بمراحل. اللاوعي داخل الإنسان أقوى وأشدّ وأكبر من مساحة الوعي فيه. اللاوعي فيكم أقوى من الوعي بنسبة 99 %، فماذا تنتظرون من هكذا تقنيات؟ فمجرّد دفْعُكم لما هو سلبي فيكم من أفكار وغيرها إلى عتمة اللاوعي، فإنها تصبح أقوى 99 مرة مما كانت عليه قبلاً. قد لا تُظهر نفسها بذات الطرق القديمة والأساليب التي كانت تظهر بها سابقاً، إلا أنها تجد أبواباً جديدة وطرق جديدة تُعبِّر فيها عن نفسها.
من هنا فإن تقنية التفكير الإيجابي والأفكار الإيجابية هي أسوء تقنية تفتقر للفهم والعلم الواعي العميق، وليس هذا فقط. بل تستمرّ بإعطائك أفكاراً خاطئة مزيفة عن ذاتك.
لقد وُلِدت تقنية التفكير الإيجابي من طائفة دينية معيّنة في أميركا كانت تنتمي لما يُسمّى بالعلم المسيحي. لا شأن لها بالمسيحية طبعاً لكن هذه الطائفة تدّعي أنها تتبع المسيحية... لكنهم بعد ذلك قاموا بحذف اللقب المسيحي عنها وإسقاطه لأنها لا تتبع له أصلاً وغيّروه لإسمه ووجهه الحقيقي وهو فلسفة التفكير الإيجابي.
يفترض مروّجو هذه الفلسفة أن كل ما يحدث في حياتك وما تمرّ به خلال حياتك هو من صنع أفكارك، هو إسقاط فكري. فإن كنت تريد أن تصبح ثرياً فما عليك سوى أن تفكر بأنك ستصبح ثرياً وسوف تكون. فمن خلال التفكير الإيجابي بالمال والثراء ستكون ثرياً وتجلب القدر لنفسك وتبدأ الدولارات بالإنهمار والتساقط عليك من حيث لا تدري.
أتذكّر الآن واحدة من القصص الجميلة...
في أحد الأيام إلتقى شابّ بإمرأة كبيرة في السن فسألَته: "ما الذي حدث لوالدك؟ أين هو؟ لم نعُد نراه بيننا في الإجتماعات الدينية التي نقوم بها رغم أنه من مؤسسي طائفتنا وأحد أهم أعضاء مؤسستنا؟"
أجابها الشاب: "والدي مريض جداً وليس بإمكانه حضور الإجتماعات".
فضحكت المرأة العجوز من كلامه وقالت: "مرضه مجرد فكرة في رأسه، فهو يظنّ نفسه مريضاً وضعيفاً، وهو ليس بمريض ولا بضعيف. الحياة تصنعها الأفكار وما تفكِّر به يحدث لك. أخبره فقط أن بفكّر بأنه في أحسن حال وأجبره على القيام من سريره".
فقال لها الشاب: "حسناً، سأوصل له رسالتك".
عاد الشاب ليلتقي المرأة العجوز بعد ثمانية أيام فسألته: "ما الذي حدث؟ ألم توصل له رسالتي؟ لازال متغيّباً عن الإجتماعات".
فأجابها الشاب: "لقد أوصلتُ له رسالتك يا سيدتي، لكنه الآن يظنّ نفسه ميتاً. وليس وحده من يُفكّر بنفسه على أنه ميّت، فالجيران في شارعنا والعائلة، حتى أنا، جميعنا نظنّه ميتاً. لم يعُد يحيا بيننا، فقد ذهب لقبره".
يميل مروّجو التفكير الإيجابي للتحدُّث بفلسفة تُقنع الناس، فيخبرونهم بأنهم إن فكّروا أفكار سلبية أو بطريقة سلبية فسوف يجلبون لأنفسهم قدراً سلبياً وإن فكروا بطريقة إيجابية فسوف يجلبون لأنفسهم قدراً إيجابياً. وهذا النوع من الأدب منتشر في أميركا بشكل واسع النطاق والآن بدأ ينتشر في العالم أجمع وبقوة. لكن التفكير الإيجابي لم يجعل أي أمة تتقدم ولا أي جماعة تقضي وقتها فيه تتقدّم، لأنه ببساطة عمل طفولي.
"فكّر بالمال والثراء وسوف تصبح ثرياً...."... الجميع يعلم أن هذا الكلام مجرّد هراء. ليس فقط هراء بل مكر ودهاء وفيه أذى وخطر على صاحبه أيضاً... الأنا ستستفحل هنا وتصبح شرهة ومرتعاً تترعرع الرغبات فيه والطموحات والأهداف وتنمو في بستانها آلاف الأماني والأحلام وكلها بالنسبة للحقيقة الكونية، لأي نبي أو وَلي أو مستنير مجرد أوهام. وليس هذا فقط... الخطر والأذى يكمنان في أهمية عدم تخلُّص العقل من ما يحويه من أفكار سلبية سوداوية مظلمة. لابدّ من فتح باب العقل لهذه الأفكار السلبية حتى تخرج من بابه وترحل للأبد، لا أن نقوم بكبتها وقمعها والجلوس عليها من خلال الأفكار الإيجابية.
عليكم إكتشاف الشاهد الحيّ فيكم وبداخلكم أقرب إليكم من حبل الوريد. هذا الشاهد وهذا الحيّ ليس سلبياً ولا إيجابياً. إنه الحقيقة الكونية في أصفى أحوالها وأصدق حالاتها. هذا الشاهد الحيّ هو حقيقتكم وفطرتكم وأصلكم ومصدركم ... لا شأن له بالأفكار ولا بأي شيء... وما لم تتعرفوا عليه فلن تعودوا لأصلكم ونوركم ولن تتحرروا من أوهام الفكر ومتاهاته وأحلامه لا في هذا العالم ولا في العوالم الأخرى.
جميعكم تقومون بكبت أفكاركم وحالاتكم السلبية وتجلسون عليها كالبركان ينتظر لحظة الإنفجار، وليست بقليلة تلك الأفكار... إنها آلاف الأفكار والأحوال والنوايا... أنت لا تحب هذا الشخص، أنت تكره هذا الوضع، أنت تخشى هذا الشيء، أن ترتعب من هذا الشيء، أنت ضعيف أمام هذا الشخص أو الحال أو الوضع، أنت تتوقع السيء ، أنت في حال تعب وظلام... جميعكم يحيا هذه الأحوال لكنكم بدلاً من تحريرها تقومون برمي هذه النفايات داخل لاوعيكم ويولَد النفاق والإدعاء على سطحكم، على سطح العقل الواعي وتصدقوه لأنكم لستم على اتصال بلاوعيكم وما يحدث داخل لاوعيكم. تصدقوه وتجلسون لترددوا يومياً هراء من نوعية: " أنا أحب الجميع، الخير والسلام لي وللجميع، الرحمة للكون والوجود، أنا مُسالِم، أنا روحاني، أنا النور، أنا في حال من السلام الآن، إلخ...."
لكنكم لا تجدون أي نعمة حقيقية في حياتكم، بل تحيون وأنتم تمسكون الجحيم داخلكم وبين أيديكم. أنت ببساطة تضّعيون أوقاتكم وتبدّدون حياتكم.
التفكير الإيجابي هو فلسفة النفاق والرياء، فهذا إسمها الحقيقي.
أنا ضدّ التفكير الإيجابي تماماً. وسوف تتفاجئون حين تدخلون التأمل وتعبّرون وتُخرجون كل شيء فتسمحون لمساحة الفناء، للطاهر النقي داخلكم بالتعبير عن نفسه والطهارة تعني لا فكرة ولا كلمة ولا حلم ولا طمع ولا جشع ولا خوف ولا قلق.... وحين يظهر هذا الطاهر الشاهد ستجدونه يستسلم للكون، للمشيئة الإلهية الكونية كما هي لا كما يريدها أو يراها أو يقيّمها هو... ستجدونه وهو أنتم فالأحرى أن أقول ستجدونكم تستسلمون في صمت وسكون لنهر المشيئة الكونية فمن هذا الإستسلام نبَعت كلمة إسلام ومنه نبع فعل الإنمساح بالله كما فعل المسيح وقال لتكن مشيئتك... هكذا لا توقعات لا طلبات لا نقاشات لا شكوى وتذمرات... ستتفاجئون بأنه وبعد فترة وقد رميتم كل شيء بداخلكم سلبي وإيجابي فتجاوزتموه، بعد فترة ستجدون الحياة تبوح لكم بأسرار ولحظات وأحوال تعيشونها وتحيونها، لكنها تعلو وتسمو عن الإزدواجية، لا سلبية ولا إيجابية هي... بعيدة عن الإزدواجية لأنها تنتمي لعالم الوحدانية لكنكم لا تعلمون أنتم وكتّابكم وأصحاب هذه الكتب وعلماؤكم شيئاً عن معنى الوحدانية، عن النعمة الإلهية... لا تعلمون شيئاً.......... لازلتم في فخّ الفكرة تقعون وللكلام العذب والأفكار الجميلة تنجذبون رغم أنه جمال يذبل وكأنه لم يكون. عيشكُم لهذا الحال يعني أنكم ولأول مرة في اتصال مع الله ليس قبل ذلك فقد كنتم على اتصال بالأفكار والاحلام والأهواء... لستم في حالكم هذا مع الله، فهذا مُحال... حتى ولو فكرتم بالله والجنان وسميتوها بالأفكار الإيجابية الدينية، فأنتم لا تعلمون شيئاً.... لا تعلمون ففي فخ الفكرة لا تزالون.
يقود التفكير الإيجابي العالم اليوم في المسار الخاطىء، في مسار الضلال والجميع أصبحوا كالجُهّال. وقد أصبحت هذه الفلسفة من أكثر الفلسفات مبيعاً في الأسواق، لكني سأنعتها بصفتها الحقيقية فهي ليست بالفلسفة، بل بالنفايات. فهي لا تفهم أعماق نفس الإنسان، ولا جذور لها في علوم الروح والأكوان، ولا يعرف أصحابها شيئاً عن علوم التأمل والأديان. هي ببساطة تمنح الناس الآمال الزائفة وتبني لهم قصوراً من الرمال. الناس تفقد آمالها كل يوم وهي تمنحهم الآمال، وتزرع فيهم الطموح.
الإنسان المسكين يُصدّق بأنه إن استمرّ بالتخيُّل والتفكير ففجأة ومن لا مكان ستطلّ عليه سيارة كاديلاك أحدث موديل فيجدها على شرفة منزله. رغم أنه الآن لا يملك شرفة ويبحث عن منزل أيضاً. أقترح على هذا الإنسان أن يفكّر بالشرفة قبلاً بإيجابية ثم ليهتم بالتفكير بالسيارة. أولاً لينتظر أن تهبط عليه الشرفة ثم ستهبط عليه السيارة. وأنا أقول له: لا توجد أي شرفة ولا توجد أي سيارة، أنت تعاني من الهلوسة وبحاجة للعلاج يا عزيزي.
هناك كتاب مشهور لنابليون هِل بعنوان (فكِّر وستصبح ثرياً) وهو يشدّد في كتابه على أنك إذا اجتهدت وأطَلت وقتك في التفكير فسوف تصبح ثرياً. وتم بيع ملايين النسخ من كتابه لأنه كاتب جيد ومن أهم كتاب أميركا، إذ بإمكانه إقناع القارىء بما يكتبه.
وحين تم إصدار كتابه وكان موجوداً لتوقيعه، حدث أن حضَر هنري فورد إذ كان يبحث عن كتاب فهو محبّ للكتب. فسأل: مالذي يحدث وماذا يفعل هذا الرجل؟
فعرف بأمره وبأنه كاتب عظيم يوقّع كتابه الجديد، فذهب للقائه.
نظر هنري لغلاف الكتاب وعنوانه وسأل نابليون: "هل أتيت الحفل بسيارتك الخاصة أم بالباص العام؟"
فأجابه بأنه أتى بالباص العام.
حينها أعاد له هنري الكتاب وقال له: "حين تفكّر بسيارة جميلة تظهر لك على شرفة منزلك، وحين تظهر هذه السيارة، عندها أحضر هذا الكتاب لي. لست بحاجة هذا الكتاب وأنا أعلم أنك لن تصبح ثرياً لمجرد التفكير بأنك ثري. بإمكانك خداع الفقراء بهذا الكتاب. الجميع يريد أن يكون ثرياً لذا فالكتاب سيوزّع الكثير وربما تصبح ثرياً وعندها تشتري سيارة. لكن تذكر، فحتى لو اشتريت فهذا ليس موضوعنا، لأني لن أقبل الكتاب إلا إن ظهرت لك السيارة بعد أن تفكّر بها، من التفكير فقط".
لكن السيارة لم تظهر له مطلقاً وبالتالي لم يتمكن من العودة لهنري. وكان هنري يتصل به من حين لآخر ويسأله ماذا حدث؟ هل ظهرت السيارة أم بعد؟ فإن لم تظهر عليك بسحب كتابك من السوق لأنه خداع للبشر.
وهذا الكتاب بأكمله يتحدث عن التفكير الإيجابي. إجلس وفكّر بأفكار إيجابية.
وأنتم...
بإمكانكم الآن فهم الفرق بين طريق الحكماء والاولياء والأنبياء أو باختصار، طريق المستنيرين وبين طريق الجهلاء الأغبياء....
هل رأيتم حكيماً أو نبياً او وليا يحيا حياته إجتماعيا بحال خالي من المتاعب والمشاكل؟ روحياً هم في نعمة أجمعين... لكنهم عانوا إجتماعياً وبين الناس والحشود التي شتمَتهم ورجمتْهم وصلبتْهم واستهزأَت بهم... جميعهم كانوا يحيون التواضع والإنحناء... لم يكونوا أثرياء ولا أصحاب جاه وقصور وكنوز فما بالكم لم تفهموا الحكمة؟ ضلَلتم طريق الحكماء لأنه من الأسهل تصديق الأغبياء.
وأقول لكم... كل الأفكار لا فائدة ولا جدوى ولا نفع منها... جميعها دون أي استثناء... سلبية أو إيجابية. فكلاهما وجهان لذات العملة. فليس عليكم تحويل فكركم من سلبي لإيجابي، بل عليكم بالتأمل، بتفريغ أنفسكم من السلبي والإيجابي، عليكم أن تتجاوزوا كلاهما ... أن تتجاوزوا الإزدواجية فكل إزدواجية تنتمي لعالم الدنيا ... عليكم دخول معبد الوحدانية فكفاكم تضييع أوقاتكم هباء. عليكم بلوغ حالة من الوعي والشهادة الداخلية حيث تختفي في باحتها وصمتها كل الأفكار. ومن هذا الوعي فإن كل ما تفعلوه سيكون صحيحاً وما ستحيوه سيكون نعمة حتى ولو بدا لغيركم نقمة... الحقيقة جداً عميقة ... لذا تجدون فهمها صعباً فتنسون الحكماء وتلحقون بالأغبياء
ارجو مناقشة راي الحكيم اوشو هل التفكير الايجابي حقا خدعة ؟
حدّثنا يا أوشو عن هذه التقنية وعلاقتها بالوعي الحقيقي والإستنارة الروحية؟
إن تقنية التفكير الإيجابي ليست تقنية لتحويل الإنسان. هي ببساطة تقنية تكْبِت وتقمَع الجانب المظلم السلبي السوداوي داخل الإنسان. إنها تعتمد على الإختيار، والإختيار هو فعل يقوم به العقل، وبهذا أنتم في فخ العقل. هذه التقنية لا علاقة لها بالوعي والإستنارة والشهادة. هذه التقنية هي ضدّ الوعي والإستنارة الروحية والشهادة الحقيقية.
الوعي لا يختار أبداً ... الوعي مستسلم للمشيئة وللحكمة الكونية الإلهية دوماً
التفكير الإيجابي يعني ببساطة إجبار الأفكار والحالات السلبية داخلكم، إجبارها على التسلّل عميقاً داخل اللاوعي فيكم لتحيا في الظلمة هناك حيث لا يلمحها أحد، ومن ناحية أخرى قولَبة العقل الواعي فيكم على التفكير بأفكار وتخيّلات إيجابية.
لكن هل تعلمون أين المشكلة وأين الخطورة؟ إنها لعبة محظورة فالخطورة تكمن في أن اللاوعي داخل الإنسان يفوق عمقه وعي الإنسان بمراحل. اللاوعي داخل الإنسان أقوى وأشدّ وأكبر من مساحة الوعي فيه. اللاوعي فيكم أقوى من الوعي بنسبة 99 %، فماذا تنتظرون من هكذا تقنيات؟ فمجرّد دفْعُكم لما هو سلبي فيكم من أفكار وغيرها إلى عتمة اللاوعي، فإنها تصبح أقوى 99 مرة مما كانت عليه قبلاً. قد لا تُظهر نفسها بذات الطرق القديمة والأساليب التي كانت تظهر بها سابقاً، إلا أنها تجد أبواباً جديدة وطرق جديدة تُعبِّر فيها عن نفسها.
من هنا فإن تقنية التفكير الإيجابي والأفكار الإيجابية هي أسوء تقنية تفتقر للفهم والعلم الواعي العميق، وليس هذا فقط. بل تستمرّ بإعطائك أفكاراً خاطئة مزيفة عن ذاتك.
لقد وُلِدت تقنية التفكير الإيجابي من طائفة دينية معيّنة في أميركا كانت تنتمي لما يُسمّى بالعلم المسيحي. لا شأن لها بالمسيحية طبعاً لكن هذه الطائفة تدّعي أنها تتبع المسيحية... لكنهم بعد ذلك قاموا بحذف اللقب المسيحي عنها وإسقاطه لأنها لا تتبع له أصلاً وغيّروه لإسمه ووجهه الحقيقي وهو فلسفة التفكير الإيجابي.
يفترض مروّجو هذه الفلسفة أن كل ما يحدث في حياتك وما تمرّ به خلال حياتك هو من صنع أفكارك، هو إسقاط فكري. فإن كنت تريد أن تصبح ثرياً فما عليك سوى أن تفكر بأنك ستصبح ثرياً وسوف تكون. فمن خلال التفكير الإيجابي بالمال والثراء ستكون ثرياً وتجلب القدر لنفسك وتبدأ الدولارات بالإنهمار والتساقط عليك من حيث لا تدري.
أتذكّر الآن واحدة من القصص الجميلة...
في أحد الأيام إلتقى شابّ بإمرأة كبيرة في السن فسألَته: "ما الذي حدث لوالدك؟ أين هو؟ لم نعُد نراه بيننا في الإجتماعات الدينية التي نقوم بها رغم أنه من مؤسسي طائفتنا وأحد أهم أعضاء مؤسستنا؟"
أجابها الشاب: "والدي مريض جداً وليس بإمكانه حضور الإجتماعات".
فضحكت المرأة العجوز من كلامه وقالت: "مرضه مجرد فكرة في رأسه، فهو يظنّ نفسه مريضاً وضعيفاً، وهو ليس بمريض ولا بضعيف. الحياة تصنعها الأفكار وما تفكِّر به يحدث لك. أخبره فقط أن بفكّر بأنه في أحسن حال وأجبره على القيام من سريره".
فقال لها الشاب: "حسناً، سأوصل له رسالتك".
عاد الشاب ليلتقي المرأة العجوز بعد ثمانية أيام فسألته: "ما الذي حدث؟ ألم توصل له رسالتي؟ لازال متغيّباً عن الإجتماعات".
فأجابها الشاب: "لقد أوصلتُ له رسالتك يا سيدتي، لكنه الآن يظنّ نفسه ميتاً. وليس وحده من يُفكّر بنفسه على أنه ميّت، فالجيران في شارعنا والعائلة، حتى أنا، جميعنا نظنّه ميتاً. لم يعُد يحيا بيننا، فقد ذهب لقبره".
يميل مروّجو التفكير الإيجابي للتحدُّث بفلسفة تُقنع الناس، فيخبرونهم بأنهم إن فكّروا أفكار سلبية أو بطريقة سلبية فسوف يجلبون لأنفسهم قدراً سلبياً وإن فكروا بطريقة إيجابية فسوف يجلبون لأنفسهم قدراً إيجابياً. وهذا النوع من الأدب منتشر في أميركا بشكل واسع النطاق والآن بدأ ينتشر في العالم أجمع وبقوة. لكن التفكير الإيجابي لم يجعل أي أمة تتقدم ولا أي جماعة تقضي وقتها فيه تتقدّم، لأنه ببساطة عمل طفولي.
"فكّر بالمال والثراء وسوف تصبح ثرياً...."... الجميع يعلم أن هذا الكلام مجرّد هراء. ليس فقط هراء بل مكر ودهاء وفيه أذى وخطر على صاحبه أيضاً... الأنا ستستفحل هنا وتصبح شرهة ومرتعاً تترعرع الرغبات فيه والطموحات والأهداف وتنمو في بستانها آلاف الأماني والأحلام وكلها بالنسبة للحقيقة الكونية، لأي نبي أو وَلي أو مستنير مجرد أوهام. وليس هذا فقط... الخطر والأذى يكمنان في أهمية عدم تخلُّص العقل من ما يحويه من أفكار سلبية سوداوية مظلمة. لابدّ من فتح باب العقل لهذه الأفكار السلبية حتى تخرج من بابه وترحل للأبد، لا أن نقوم بكبتها وقمعها والجلوس عليها من خلال الأفكار الإيجابية.
عليكم إكتشاف الشاهد الحيّ فيكم وبداخلكم أقرب إليكم من حبل الوريد. هذا الشاهد وهذا الحيّ ليس سلبياً ولا إيجابياً. إنه الحقيقة الكونية في أصفى أحوالها وأصدق حالاتها. هذا الشاهد الحيّ هو حقيقتكم وفطرتكم وأصلكم ومصدركم ... لا شأن له بالأفكار ولا بأي شيء... وما لم تتعرفوا عليه فلن تعودوا لأصلكم ونوركم ولن تتحرروا من أوهام الفكر ومتاهاته وأحلامه لا في هذا العالم ولا في العوالم الأخرى.
جميعكم تقومون بكبت أفكاركم وحالاتكم السلبية وتجلسون عليها كالبركان ينتظر لحظة الإنفجار، وليست بقليلة تلك الأفكار... إنها آلاف الأفكار والأحوال والنوايا... أنت لا تحب هذا الشخص، أنت تكره هذا الوضع، أنت تخشى هذا الشيء، أن ترتعب من هذا الشيء، أنت ضعيف أمام هذا الشخص أو الحال أو الوضع، أنت تتوقع السيء ، أنت في حال تعب وظلام... جميعكم يحيا هذه الأحوال لكنكم بدلاً من تحريرها تقومون برمي هذه النفايات داخل لاوعيكم ويولَد النفاق والإدعاء على سطحكم، على سطح العقل الواعي وتصدقوه لأنكم لستم على اتصال بلاوعيكم وما يحدث داخل لاوعيكم. تصدقوه وتجلسون لترددوا يومياً هراء من نوعية: " أنا أحب الجميع، الخير والسلام لي وللجميع، الرحمة للكون والوجود، أنا مُسالِم، أنا روحاني، أنا النور، أنا في حال من السلام الآن، إلخ...."
لكنكم لا تجدون أي نعمة حقيقية في حياتكم، بل تحيون وأنتم تمسكون الجحيم داخلكم وبين أيديكم. أنت ببساطة تضّعيون أوقاتكم وتبدّدون حياتكم.
التفكير الإيجابي هو فلسفة النفاق والرياء، فهذا إسمها الحقيقي.
أنا ضدّ التفكير الإيجابي تماماً. وسوف تتفاجئون حين تدخلون التأمل وتعبّرون وتُخرجون كل شيء فتسمحون لمساحة الفناء، للطاهر النقي داخلكم بالتعبير عن نفسه والطهارة تعني لا فكرة ولا كلمة ولا حلم ولا طمع ولا جشع ولا خوف ولا قلق.... وحين يظهر هذا الطاهر الشاهد ستجدونه يستسلم للكون، للمشيئة الإلهية الكونية كما هي لا كما يريدها أو يراها أو يقيّمها هو... ستجدونه وهو أنتم فالأحرى أن أقول ستجدونكم تستسلمون في صمت وسكون لنهر المشيئة الكونية فمن هذا الإستسلام نبَعت كلمة إسلام ومنه نبع فعل الإنمساح بالله كما فعل المسيح وقال لتكن مشيئتك... هكذا لا توقعات لا طلبات لا نقاشات لا شكوى وتذمرات... ستتفاجئون بأنه وبعد فترة وقد رميتم كل شيء بداخلكم سلبي وإيجابي فتجاوزتموه، بعد فترة ستجدون الحياة تبوح لكم بأسرار ولحظات وأحوال تعيشونها وتحيونها، لكنها تعلو وتسمو عن الإزدواجية، لا سلبية ولا إيجابية هي... بعيدة عن الإزدواجية لأنها تنتمي لعالم الوحدانية لكنكم لا تعلمون أنتم وكتّابكم وأصحاب هذه الكتب وعلماؤكم شيئاً عن معنى الوحدانية، عن النعمة الإلهية... لا تعلمون شيئاً.......... لازلتم في فخّ الفكرة تقعون وللكلام العذب والأفكار الجميلة تنجذبون رغم أنه جمال يذبل وكأنه لم يكون. عيشكُم لهذا الحال يعني أنكم ولأول مرة في اتصال مع الله ليس قبل ذلك فقد كنتم على اتصال بالأفكار والاحلام والأهواء... لستم في حالكم هذا مع الله، فهذا مُحال... حتى ولو فكرتم بالله والجنان وسميتوها بالأفكار الإيجابية الدينية، فأنتم لا تعلمون شيئاً.... لا تعلمون ففي فخ الفكرة لا تزالون.
يقود التفكير الإيجابي العالم اليوم في المسار الخاطىء، في مسار الضلال والجميع أصبحوا كالجُهّال. وقد أصبحت هذه الفلسفة من أكثر الفلسفات مبيعاً في الأسواق، لكني سأنعتها بصفتها الحقيقية فهي ليست بالفلسفة، بل بالنفايات. فهي لا تفهم أعماق نفس الإنسان، ولا جذور لها في علوم الروح والأكوان، ولا يعرف أصحابها شيئاً عن علوم التأمل والأديان. هي ببساطة تمنح الناس الآمال الزائفة وتبني لهم قصوراً من الرمال. الناس تفقد آمالها كل يوم وهي تمنحهم الآمال، وتزرع فيهم الطموح.
الإنسان المسكين يُصدّق بأنه إن استمرّ بالتخيُّل والتفكير ففجأة ومن لا مكان ستطلّ عليه سيارة كاديلاك أحدث موديل فيجدها على شرفة منزله. رغم أنه الآن لا يملك شرفة ويبحث عن منزل أيضاً. أقترح على هذا الإنسان أن يفكّر بالشرفة قبلاً بإيجابية ثم ليهتم بالتفكير بالسيارة. أولاً لينتظر أن تهبط عليه الشرفة ثم ستهبط عليه السيارة. وأنا أقول له: لا توجد أي شرفة ولا توجد أي سيارة، أنت تعاني من الهلوسة وبحاجة للعلاج يا عزيزي.
هناك كتاب مشهور لنابليون هِل بعنوان (فكِّر وستصبح ثرياً) وهو يشدّد في كتابه على أنك إذا اجتهدت وأطَلت وقتك في التفكير فسوف تصبح ثرياً. وتم بيع ملايين النسخ من كتابه لأنه كاتب جيد ومن أهم كتاب أميركا، إذ بإمكانه إقناع القارىء بما يكتبه.
وحين تم إصدار كتابه وكان موجوداً لتوقيعه، حدث أن حضَر هنري فورد إذ كان يبحث عن كتاب فهو محبّ للكتب. فسأل: مالذي يحدث وماذا يفعل هذا الرجل؟
فعرف بأمره وبأنه كاتب عظيم يوقّع كتابه الجديد، فذهب للقائه.
نظر هنري لغلاف الكتاب وعنوانه وسأل نابليون: "هل أتيت الحفل بسيارتك الخاصة أم بالباص العام؟"
فأجابه بأنه أتى بالباص العام.
حينها أعاد له هنري الكتاب وقال له: "حين تفكّر بسيارة جميلة تظهر لك على شرفة منزلك، وحين تظهر هذه السيارة، عندها أحضر هذا الكتاب لي. لست بحاجة هذا الكتاب وأنا أعلم أنك لن تصبح ثرياً لمجرد التفكير بأنك ثري. بإمكانك خداع الفقراء بهذا الكتاب. الجميع يريد أن يكون ثرياً لذا فالكتاب سيوزّع الكثير وربما تصبح ثرياً وعندها تشتري سيارة. لكن تذكر، فحتى لو اشتريت فهذا ليس موضوعنا، لأني لن أقبل الكتاب إلا إن ظهرت لك السيارة بعد أن تفكّر بها، من التفكير فقط".
لكن السيارة لم تظهر له مطلقاً وبالتالي لم يتمكن من العودة لهنري. وكان هنري يتصل به من حين لآخر ويسأله ماذا حدث؟ هل ظهرت السيارة أم بعد؟ فإن لم تظهر عليك بسحب كتابك من السوق لأنه خداع للبشر.
وهذا الكتاب بأكمله يتحدث عن التفكير الإيجابي. إجلس وفكّر بأفكار إيجابية.
وأنتم...
بإمكانكم الآن فهم الفرق بين طريق الحكماء والاولياء والأنبياء أو باختصار، طريق المستنيرين وبين طريق الجهلاء الأغبياء....
هل رأيتم حكيماً أو نبياً او وليا يحيا حياته إجتماعيا بحال خالي من المتاعب والمشاكل؟ روحياً هم في نعمة أجمعين... لكنهم عانوا إجتماعياً وبين الناس والحشود التي شتمَتهم ورجمتْهم وصلبتْهم واستهزأَت بهم... جميعهم كانوا يحيون التواضع والإنحناء... لم يكونوا أثرياء ولا أصحاب جاه وقصور وكنوز فما بالكم لم تفهموا الحكمة؟ ضلَلتم طريق الحكماء لأنه من الأسهل تصديق الأغبياء.
وأقول لكم... كل الأفكار لا فائدة ولا جدوى ولا نفع منها... جميعها دون أي استثناء... سلبية أو إيجابية. فكلاهما وجهان لذات العملة. فليس عليكم تحويل فكركم من سلبي لإيجابي، بل عليكم بالتأمل، بتفريغ أنفسكم من السلبي والإيجابي، عليكم أن تتجاوزوا كلاهما ... أن تتجاوزوا الإزدواجية فكل إزدواجية تنتمي لعالم الدنيا ... عليكم دخول معبد الوحدانية فكفاكم تضييع أوقاتكم هباء. عليكم بلوغ حالة من الوعي والشهادة الداخلية حيث تختفي في باحتها وصمتها كل الأفكار. ومن هذا الوعي فإن كل ما تفعلوه سيكون صحيحاً وما ستحيوه سيكون نعمة حتى ولو بدا لغيركم نقمة... الحقيقة جداً عميقة ... لذا تجدون فهمها صعباً فتنسون الحكماء وتلحقون بالأغبياء
ارجو مناقشة راي الحكيم اوشو هل التفكير الايجابي حقا خدعة ؟