القبالة علم الحكمة والحروف والتامل عن علماء اليهود ومن سبقهم
مرسل: الخميس 12-7-2007 6:55 pm
القبَّالة: مَعنى تحت المَعنى
تحت المَعنى...
والفخُّ الأخيرُ هو أخْذُ النَّفْسِ على مَحْمَلِ الجِد
دانييل بيرزنياك*
أصل القبالة من الجذر العبري ق ب ل، "قبل". فالأستاذ، "العارف"، يمنح، والمريد، السائل، "يقبل". والقبَّالي ينظر إلى نفسه بوصفه المريد السائل.
القبَّالة طريقة للنظر إلى العالم، بل للنظر إلى النفس وهي ترى العالم. وهذه "الطريقة" طريقة أصيلة لأنها تجمع ما بين انتظار كَشْفٍ ساطع (الطريقة الصوفية أو الكَشْفية) وبين الدراسة المتأنِّية (الطريقة العقلية). بعبارة أخرى، فإن القبَّالي ينمِّي في نفسه فنَّ المقارنة والنظر في مكتشفاته، فيما هو يستبطن خبرة الوحدة المستعادة. إنه يشغِّل، في آنٍ معًا، نِصْفَي كرته المخِّية. ومن شأن هذه الرياضات أن تقيم روابط بين العاقلة والحدس والمخيِّلة. فطريقته عقلية وروحية في آنٍ معًا.
القبَّالي يرى في الخطاب المنطوق أو المكتوب معنًى يجب فك رموزه. فالسَّرد الكتابي، الواضح في نظر الذهن البسيط، يصير في نظره مبهمًا ومثقلاً بالمعنى. إنه يحدس وجود "بنية" خفية ما تبطِّنه، مفادها أن كلَّ ما هو متمايز وملموس ينبثق، فيضًا، من نبع أوَّلي قديم، غير متعيِّن، متجانس.
في العبرية، هناك كلمة واحدة تشير إلى الكلمة وإلى الشيء: دَوَر. فالأشياء غير موجَدة إلا بمقدار ما تتم تسميتُها. والتعليم القبَّالي يسلِّم بأن الكلمة تحمل الحقيقة، بأن الذبذبة اللانهائية للصوت تحمل الكون. قال الله: "ليكنْ نور"، فكان نور (سفر التكوين، الإصحاح 1: 4). الكلمة، إذن، خالقة.
هل لنا أن نستنتج مما سَبَقَ أنه "في البدء كان الكلمة" (إنجيل يوحنا، الإصحاح 1: 1)؟ ليس تمامًا. فالبدء (رِشِت) كان خاويًا وصامتًا. ولكن، كيف انبثق الكون، إذن، من هذا الفضاء الخاوي والصامت؟ تلك هي المسألة الكبرى التي تشغل بال القبَّالي.
بحسب اسحق لوريا (1534-1572)، لم يكن أول أفعال الله انتشارًا نحو الخارج – فهذه استحالة، بما أن الله هو الكل –، بل طيٌّ، انقباض. في البدء، لا بدَّ أن الله انسحب، انطوى، ميسِّرًا بذلك ولادة العالم، بادئ ذي بدء، على هيئة حروف الأبجدية العبرية الاثنين والعشرين. وهذا الانطواء، هذا "النقصان في الكينونة"، وبعبارة أخرى، هذا الخواء الميسِّر لشيء آخر أن يكون، يسمَّى الـسَمْسَمَة (تسِمْتسُم) – وهو مفهوم جوهري في القبَّالة.
عند القبَّالي أن كلَّ نصٍّ – حتى جلي – مبهم ويجب فك رموزه
اللغة العبرية، عند القبَّالي، هي، إذن، مادة العالم بعينها. كلُّ عنصر من نص، كلُّ حرف من حروفه، كلُّ عنصر من صورة الحرف الواحد، المسافات بين الكلمات وبين الحروف، يجب أن تُفهَم وتُفَكَّ رموزُها: ما من عنصر واحد ناجم عن المصادفة؛ لكلِّ عنصر معناه ومكانه في تناسُق المجموع.
بذلك فإن القبَّالة وضعتْ، من بين أشياء أُخَر، منهج تأويل يربط ما بين الكلمات بعضها إلى بعض بحسب قيمتها العددية، المحسوبة كما في علم العدد الحديث. وهذا المنهج، الجِمَطْرِية (من الكلمة اليونانية gematria، "فن قياس كلِّ ما في السماء وعلى الأرض"، التي جاءت منها كلمة geometry، "الهندسة")، يوجِد روابط بين كلمات ذات مدلولات فلسفية عميقة، وتلبِّي أعزَّ أشواق القبَّالي إلى قلبه، ألا وهو تفسير اللغة باللغة، وليس بواسطة المفاهيم التي تنقلها.
وهذا المنهج قد يسَّر لفقهاء التلمود في القرون الأولى بعد الميلاد (التلمود مصنَّف ضخم من أحاديث الربَّانيين في تفسير شريعة موسى) الإجابة عن بعض الأسئلة التي طرحوها منذ القِدَم: هل المعنى الحرفي لنصِّ التوراة هو المعنى حصرًا، أم أنه ليس إلا القشر من معنى لا بدَّ من فكِّ رموزه؟ وفي حال صحة الفرضية الثانية، لماذا يكون المعنى "الحقيقي" مستورًا؟ هل الحقيقة رهيبة؟ وهل ينبغي الاستعداد من أجل الإحاطة بها؟ وفي هذه الحال، أين تكون مفاتيح الأبواب التي يجب فتحُها؟ وكيف تُفتَح هذه الأبواب؟ ولماذا؟
القبَّالة تشير إلى الجهد المبذول من أجل طرح هذه الأسئلة ومن أجل الإجابة عنها.
القبَّالي يرى في النصِّ الواحد حتى اثني عشر مستوى من مستويات المعنى...
تتطلَّب قراءةُ التوراة (الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم، حيث نجد مرويةً قصة العالم، قصة البشر، الوصايا الإلهية، والعلاقات بين الإنسان والإله) تأهيلاً يطول بمقدار إشباع النصِّ بالمعاني والمرموزات، وذلك بسبب أصله الإلهي وتدوينه بالعبرية، "اللغة المقدسة".
وهذا التأهيل، يصفه أبراهام بن صموئيل أبو العافية، المولود في سرقسطة في العام 1240، في أحد مصنَّفاته: رسالة الطرق السبعة. وطُرُق (الحكمة) السبعة هذه هي طُرُق سبعة لقراءة التوراة. فلنقرأ هذا المقطع من الكتاب:
الطريق الأول عبارة عن قراءة التوراة وفهمها على محمل الحرف... فهكذا يجب أن تُطرَح التوراة على عامة الشعب، رجالاً ونساءً وأطفالاً. فكلُّ أحد يعلم أن كلَّ بشر، في سني حداثته، إبان طفولته وشبابه الباكر، ينتمي إلى هؤلاء العامة.
الطريق الثاني عبارة عن فكِّ رموز المجاز في التوراة. ويقدِّم أبو العافية المثال التالي: في سِفْر تثنية الاشتراع (الإصحاح 10: 16) كُتِبَ: "... فاختنوا قُلَفَ قلوبكم." قارئ الطريق الثاني سوف يكشف عن هذه الصورة البلاغية، غير المفهومة على المستوى الحرفي حصرًا.
في الطريق الثالث يطرح المرء على نفسه أسئلة تتعلق بنصٍّ ما، ويجتهد في الإجابة عنها في السياق. لماذا، على سبيل المثال، في اليوم الثاني من الخَلْق، بحسب سفر التكوين (الإصحاح الأول)، لم يقل الله ما قاله في اليوم الأول من أن "صنعته حَسَنَة"؟ جواب قارئ الطريق الثالث: لأنه في اليوم الثاني لم يكن بعدُ قد فرغ من خَلْق العالم "المائي". فتعبير "رأى الله أن ذلك حَسَن" غير مستعمَل بالفعل إلا لدى إنجاز جملة متماسكة، متسقة، ومستقلة داخل الخليقة. قارئ الطريق الثالث حادُّ النظر بصفة خاصة: فهو يلحظ الانقطاعات والفوارق داخل بنيان متسق؛ وعندئذٍ يستنطق النص، يتفكَّر في السياق، ويجد تفسيرًا.
الطريق الرابع عبارة عن تأويل الرمز والمجاز. وقارئ الطريق الرابع لا يصدِّق واقعية القصة كما هي مروية؛ فهو يعلم أنها مجازية وأنها تنطوي على تعليم ينبغي فك رموزه.
ويشير أبو العافية إلى أن "هذه الطرق الأربعة مفتوحة لجميع الأمم". فالطرق الثلاثة الأولى متاحة لجمهور العامة، على حدِّ قوله. أما الفقهاء فهُمُ الراسخون في الطريق الرابع، وهم يجهلون عادة وجود طرق أخرى.
من شأن الرغبة في المعرفة أن تقود حتى الطريق الرابع. فيما يتعدى ذلك، لا بدَّ من طاقة أشد: سُعار العلم، التعطش إلى المعرفة. واعتبارًا من الطريق الخامس، يتم ولوج تعاليم القبَّالة.
قارئ الطريق الخامس يحلِّل عناصر النصِّ كافة. وهو يتساءل حتى حول صُوَر الحروف، وحول الروابط بين هذه العناصر وبين معاني الكلمات. لماذا يوجد اثنان وعشرون حرفًا؟ لماذا الحرف الأول من التوراة حرف بيت؟ يقول أبو العافية إن قرَّاء الطرق الأربعة الأولى يسخرون من الطريق الخامس، بحجة أن مشكلات الخط عارية عن المغزى وأن علم أوفاق الحروف عديم الأهمية.
يتطلَّب الطريق الخامس تحصيل خبرة واسعة في علم النفس والتاريخ. وهو يمد الجسور بين العاقلة والمخيِّلة والحدس. إنه علم تربية اليقظة. وبفضله ينتظم التفكيرُ ويتحرر من الرغبات التافهة، من الأهواء، ومن الأحكام المسبَّقة. وقارئ الطريق الخامس يتعوَّد على أن يرى، في نصٍّ، مجرد قشر لمدلول محمول على غير الكلمات في حدِّ ذاتها. إنه – وهو الذي أضحى يصعب التلاعبُ به – لا يُفتتن بخطابٍ حَسَن السبك. إنه متحرِّر من الأفكار المقبولة؛ والإيديولوجيات لا يمكن لها أن توقعه في شِراكها. مسعاه يمضي به دومًا إلى أبعد من المظهر المباشر. والسلطات جميعًا تنظر إله بعين الريبة، بما فيها مرجعية الكنيس.
"الطريق السادس طريق أعمق"، كما يقول أبو العافية. وهو يضيف: "مَن يجرؤ على الخوض فيه؟ لأنه في هذا الطريق قيل: "هو أطول مدى من الأرض، أوسع من البحر المحيط"." إنه طريق الذين يعتزلون في إرادتهم الاقتراب من الاسم، "بحيث يصبح أثرُه قابلاً للإدراك في أنفسهم".
قارئ الطريق السادس يتساءل عن علاقة الاسم بالشيء، علاقة المرموز إليه بالرامز. إنه يروِّض نفسه على الاستبطان. وعلى هذه المرتبة من التفكُّر يصير كلُّ ما هو "صيغة" "معيشًا" بالضرورة. المنطق الشكلاني ينتسف، مفسحًا المجال، في وَضَح النور، لعقلانية أخرى، تندمج فيها الروح بالقلب.
الطريق السابع؟ "هذا الفلك يشتمل على الأفلاك الأخرى جميعًا"، يقول أبو العافية. "من يلجه يتلقَّى الكلام الإلهي." وهذا الطريق غير قابل للنقل كتابةً. لذا ينقله مشافهةً أولئك حصرًا الذين يحيونه.
في العبرية، تُسمَّى الطرق الأربعة الأولى: فشاط ("بسيط"، أي القراءة الحرفية)، رِمِز ("رمزي" أو "مجازي")، دراخ ("الطريق")، وسود ("السر"، و"الجوهر" أيضًا). وأوائل هذه الكلمات – ف ر د س – تؤلِّف كلمة فردس، التي تعني الفردوس. فكما تقول قصة حصيدية، الفردوس هي الحال التي يحياها هنا والآن مَن يعرف "القراءة".
جدير بالذكر أن موشي القرطبي (1522-1570)، أهم أساتذة اسحق لوريا، كان، من جانبه، يقول باثني عشر مستوى من مستويات القراءة.
والكتابات القبَّالية لا تطرح تعليمًا عَقَديًّا؛ إنها، بالأحرى، تزوِّد بمفاتيح لفتح أقفال وأبواب. وعلى "الطالب" أن يجد الأقفال المقابلة للمفاتيح التي أُعْطِيَها. ولهذا، ينبغي عليه أن يتدبَّر النصَّ ويتفكَّر فيه.
كان البابليون والإغريق سبَّاقين إلى دراسة معاني الكلمات بالنظر إلى القيم العددية للحروف التي تتألَّف منها. وقد استدخل بنو إسرائيل هذا المنهج تحت اسم "جِمَطْرِيَة" ["حساب الجُمَّل"] في عهد الهيكل الثاني (الذي بُدِئ في بنائه حوالى العام 20 ق م واستمر أكثر من 40 عامًا).
والجمطرية الأشيع عبارة عن عَزْو القيم العددية التالية إلى الحروف:
القيمة العددية
الاسم الرمزي الأصلي
الحرف العربي المقابل
لفظ الحرف
الحرف العبري
تكملة المقال مع الحروف وما لها من الاعداد عن اليهود على هذا الرابط
http://www.alhekme.com/modules.php?name ... =0&thold=0" onclick="window.open(this.href);return false;
تحت المَعنى...
والفخُّ الأخيرُ هو أخْذُ النَّفْسِ على مَحْمَلِ الجِد
دانييل بيرزنياك*
أصل القبالة من الجذر العبري ق ب ل، "قبل". فالأستاذ، "العارف"، يمنح، والمريد، السائل، "يقبل". والقبَّالي ينظر إلى نفسه بوصفه المريد السائل.
القبَّالة طريقة للنظر إلى العالم، بل للنظر إلى النفس وهي ترى العالم. وهذه "الطريقة" طريقة أصيلة لأنها تجمع ما بين انتظار كَشْفٍ ساطع (الطريقة الصوفية أو الكَشْفية) وبين الدراسة المتأنِّية (الطريقة العقلية). بعبارة أخرى، فإن القبَّالي ينمِّي في نفسه فنَّ المقارنة والنظر في مكتشفاته، فيما هو يستبطن خبرة الوحدة المستعادة. إنه يشغِّل، في آنٍ معًا، نِصْفَي كرته المخِّية. ومن شأن هذه الرياضات أن تقيم روابط بين العاقلة والحدس والمخيِّلة. فطريقته عقلية وروحية في آنٍ معًا.
القبَّالي يرى في الخطاب المنطوق أو المكتوب معنًى يجب فك رموزه. فالسَّرد الكتابي، الواضح في نظر الذهن البسيط، يصير في نظره مبهمًا ومثقلاً بالمعنى. إنه يحدس وجود "بنية" خفية ما تبطِّنه، مفادها أن كلَّ ما هو متمايز وملموس ينبثق، فيضًا، من نبع أوَّلي قديم، غير متعيِّن، متجانس.
في العبرية، هناك كلمة واحدة تشير إلى الكلمة وإلى الشيء: دَوَر. فالأشياء غير موجَدة إلا بمقدار ما تتم تسميتُها. والتعليم القبَّالي يسلِّم بأن الكلمة تحمل الحقيقة، بأن الذبذبة اللانهائية للصوت تحمل الكون. قال الله: "ليكنْ نور"، فكان نور (سفر التكوين، الإصحاح 1: 4). الكلمة، إذن، خالقة.
هل لنا أن نستنتج مما سَبَقَ أنه "في البدء كان الكلمة" (إنجيل يوحنا، الإصحاح 1: 1)؟ ليس تمامًا. فالبدء (رِشِت) كان خاويًا وصامتًا. ولكن، كيف انبثق الكون، إذن، من هذا الفضاء الخاوي والصامت؟ تلك هي المسألة الكبرى التي تشغل بال القبَّالي.
بحسب اسحق لوريا (1534-1572)، لم يكن أول أفعال الله انتشارًا نحو الخارج – فهذه استحالة، بما أن الله هو الكل –، بل طيٌّ، انقباض. في البدء، لا بدَّ أن الله انسحب، انطوى، ميسِّرًا بذلك ولادة العالم، بادئ ذي بدء، على هيئة حروف الأبجدية العبرية الاثنين والعشرين. وهذا الانطواء، هذا "النقصان في الكينونة"، وبعبارة أخرى، هذا الخواء الميسِّر لشيء آخر أن يكون، يسمَّى الـسَمْسَمَة (تسِمْتسُم) – وهو مفهوم جوهري في القبَّالة.
عند القبَّالي أن كلَّ نصٍّ – حتى جلي – مبهم ويجب فك رموزه
اللغة العبرية، عند القبَّالي، هي، إذن، مادة العالم بعينها. كلُّ عنصر من نص، كلُّ حرف من حروفه، كلُّ عنصر من صورة الحرف الواحد، المسافات بين الكلمات وبين الحروف، يجب أن تُفهَم وتُفَكَّ رموزُها: ما من عنصر واحد ناجم عن المصادفة؛ لكلِّ عنصر معناه ومكانه في تناسُق المجموع.
بذلك فإن القبَّالة وضعتْ، من بين أشياء أُخَر، منهج تأويل يربط ما بين الكلمات بعضها إلى بعض بحسب قيمتها العددية، المحسوبة كما في علم العدد الحديث. وهذا المنهج، الجِمَطْرِية (من الكلمة اليونانية gematria، "فن قياس كلِّ ما في السماء وعلى الأرض"، التي جاءت منها كلمة geometry، "الهندسة")، يوجِد روابط بين كلمات ذات مدلولات فلسفية عميقة، وتلبِّي أعزَّ أشواق القبَّالي إلى قلبه، ألا وهو تفسير اللغة باللغة، وليس بواسطة المفاهيم التي تنقلها.
وهذا المنهج قد يسَّر لفقهاء التلمود في القرون الأولى بعد الميلاد (التلمود مصنَّف ضخم من أحاديث الربَّانيين في تفسير شريعة موسى) الإجابة عن بعض الأسئلة التي طرحوها منذ القِدَم: هل المعنى الحرفي لنصِّ التوراة هو المعنى حصرًا، أم أنه ليس إلا القشر من معنى لا بدَّ من فكِّ رموزه؟ وفي حال صحة الفرضية الثانية، لماذا يكون المعنى "الحقيقي" مستورًا؟ هل الحقيقة رهيبة؟ وهل ينبغي الاستعداد من أجل الإحاطة بها؟ وفي هذه الحال، أين تكون مفاتيح الأبواب التي يجب فتحُها؟ وكيف تُفتَح هذه الأبواب؟ ولماذا؟
القبَّالة تشير إلى الجهد المبذول من أجل طرح هذه الأسئلة ومن أجل الإجابة عنها.
القبَّالي يرى في النصِّ الواحد حتى اثني عشر مستوى من مستويات المعنى...
تتطلَّب قراءةُ التوراة (الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم، حيث نجد مرويةً قصة العالم، قصة البشر، الوصايا الإلهية، والعلاقات بين الإنسان والإله) تأهيلاً يطول بمقدار إشباع النصِّ بالمعاني والمرموزات، وذلك بسبب أصله الإلهي وتدوينه بالعبرية، "اللغة المقدسة".
وهذا التأهيل، يصفه أبراهام بن صموئيل أبو العافية، المولود في سرقسطة في العام 1240، في أحد مصنَّفاته: رسالة الطرق السبعة. وطُرُق (الحكمة) السبعة هذه هي طُرُق سبعة لقراءة التوراة. فلنقرأ هذا المقطع من الكتاب:
الطريق الأول عبارة عن قراءة التوراة وفهمها على محمل الحرف... فهكذا يجب أن تُطرَح التوراة على عامة الشعب، رجالاً ونساءً وأطفالاً. فكلُّ أحد يعلم أن كلَّ بشر، في سني حداثته، إبان طفولته وشبابه الباكر، ينتمي إلى هؤلاء العامة.
الطريق الثاني عبارة عن فكِّ رموز المجاز في التوراة. ويقدِّم أبو العافية المثال التالي: في سِفْر تثنية الاشتراع (الإصحاح 10: 16) كُتِبَ: "... فاختنوا قُلَفَ قلوبكم." قارئ الطريق الثاني سوف يكشف عن هذه الصورة البلاغية، غير المفهومة على المستوى الحرفي حصرًا.
في الطريق الثالث يطرح المرء على نفسه أسئلة تتعلق بنصٍّ ما، ويجتهد في الإجابة عنها في السياق. لماذا، على سبيل المثال، في اليوم الثاني من الخَلْق، بحسب سفر التكوين (الإصحاح الأول)، لم يقل الله ما قاله في اليوم الأول من أن "صنعته حَسَنَة"؟ جواب قارئ الطريق الثالث: لأنه في اليوم الثاني لم يكن بعدُ قد فرغ من خَلْق العالم "المائي". فتعبير "رأى الله أن ذلك حَسَن" غير مستعمَل بالفعل إلا لدى إنجاز جملة متماسكة، متسقة، ومستقلة داخل الخليقة. قارئ الطريق الثالث حادُّ النظر بصفة خاصة: فهو يلحظ الانقطاعات والفوارق داخل بنيان متسق؛ وعندئذٍ يستنطق النص، يتفكَّر في السياق، ويجد تفسيرًا.
الطريق الرابع عبارة عن تأويل الرمز والمجاز. وقارئ الطريق الرابع لا يصدِّق واقعية القصة كما هي مروية؛ فهو يعلم أنها مجازية وأنها تنطوي على تعليم ينبغي فك رموزه.
ويشير أبو العافية إلى أن "هذه الطرق الأربعة مفتوحة لجميع الأمم". فالطرق الثلاثة الأولى متاحة لجمهور العامة، على حدِّ قوله. أما الفقهاء فهُمُ الراسخون في الطريق الرابع، وهم يجهلون عادة وجود طرق أخرى.
من شأن الرغبة في المعرفة أن تقود حتى الطريق الرابع. فيما يتعدى ذلك، لا بدَّ من طاقة أشد: سُعار العلم، التعطش إلى المعرفة. واعتبارًا من الطريق الخامس، يتم ولوج تعاليم القبَّالة.
قارئ الطريق الخامس يحلِّل عناصر النصِّ كافة. وهو يتساءل حتى حول صُوَر الحروف، وحول الروابط بين هذه العناصر وبين معاني الكلمات. لماذا يوجد اثنان وعشرون حرفًا؟ لماذا الحرف الأول من التوراة حرف بيت؟ يقول أبو العافية إن قرَّاء الطرق الأربعة الأولى يسخرون من الطريق الخامس، بحجة أن مشكلات الخط عارية عن المغزى وأن علم أوفاق الحروف عديم الأهمية.
يتطلَّب الطريق الخامس تحصيل خبرة واسعة في علم النفس والتاريخ. وهو يمد الجسور بين العاقلة والمخيِّلة والحدس. إنه علم تربية اليقظة. وبفضله ينتظم التفكيرُ ويتحرر من الرغبات التافهة، من الأهواء، ومن الأحكام المسبَّقة. وقارئ الطريق الخامس يتعوَّد على أن يرى، في نصٍّ، مجرد قشر لمدلول محمول على غير الكلمات في حدِّ ذاتها. إنه – وهو الذي أضحى يصعب التلاعبُ به – لا يُفتتن بخطابٍ حَسَن السبك. إنه متحرِّر من الأفكار المقبولة؛ والإيديولوجيات لا يمكن لها أن توقعه في شِراكها. مسعاه يمضي به دومًا إلى أبعد من المظهر المباشر. والسلطات جميعًا تنظر إله بعين الريبة، بما فيها مرجعية الكنيس.
"الطريق السادس طريق أعمق"، كما يقول أبو العافية. وهو يضيف: "مَن يجرؤ على الخوض فيه؟ لأنه في هذا الطريق قيل: "هو أطول مدى من الأرض، أوسع من البحر المحيط"." إنه طريق الذين يعتزلون في إرادتهم الاقتراب من الاسم، "بحيث يصبح أثرُه قابلاً للإدراك في أنفسهم".
قارئ الطريق السادس يتساءل عن علاقة الاسم بالشيء، علاقة المرموز إليه بالرامز. إنه يروِّض نفسه على الاستبطان. وعلى هذه المرتبة من التفكُّر يصير كلُّ ما هو "صيغة" "معيشًا" بالضرورة. المنطق الشكلاني ينتسف، مفسحًا المجال، في وَضَح النور، لعقلانية أخرى، تندمج فيها الروح بالقلب.
الطريق السابع؟ "هذا الفلك يشتمل على الأفلاك الأخرى جميعًا"، يقول أبو العافية. "من يلجه يتلقَّى الكلام الإلهي." وهذا الطريق غير قابل للنقل كتابةً. لذا ينقله مشافهةً أولئك حصرًا الذين يحيونه.
في العبرية، تُسمَّى الطرق الأربعة الأولى: فشاط ("بسيط"، أي القراءة الحرفية)، رِمِز ("رمزي" أو "مجازي")، دراخ ("الطريق")، وسود ("السر"، و"الجوهر" أيضًا). وأوائل هذه الكلمات – ف ر د س – تؤلِّف كلمة فردس، التي تعني الفردوس. فكما تقول قصة حصيدية، الفردوس هي الحال التي يحياها هنا والآن مَن يعرف "القراءة".
جدير بالذكر أن موشي القرطبي (1522-1570)، أهم أساتذة اسحق لوريا، كان، من جانبه، يقول باثني عشر مستوى من مستويات القراءة.
والكتابات القبَّالية لا تطرح تعليمًا عَقَديًّا؛ إنها، بالأحرى، تزوِّد بمفاتيح لفتح أقفال وأبواب. وعلى "الطالب" أن يجد الأقفال المقابلة للمفاتيح التي أُعْطِيَها. ولهذا، ينبغي عليه أن يتدبَّر النصَّ ويتفكَّر فيه.
كان البابليون والإغريق سبَّاقين إلى دراسة معاني الكلمات بالنظر إلى القيم العددية للحروف التي تتألَّف منها. وقد استدخل بنو إسرائيل هذا المنهج تحت اسم "جِمَطْرِيَة" ["حساب الجُمَّل"] في عهد الهيكل الثاني (الذي بُدِئ في بنائه حوالى العام 20 ق م واستمر أكثر من 40 عامًا).
والجمطرية الأشيع عبارة عن عَزْو القيم العددية التالية إلى الحروف:
القيمة العددية
الاسم الرمزي الأصلي
الحرف العربي المقابل
لفظ الحرف
الحرف العبري
تكملة المقال مع الحروف وما لها من الاعداد عن اليهود على هذا الرابط
http://www.alhekme.com/modules.php?name ... =0&thold=0" onclick="window.open(this.href);return false;