التيار الفكري و الطريق ذو الثمانية مراحل
مرسل: الخميس 18-1-2007 2:59 am
التيار الفكري و الطريق ذو الثمانية مراحل
بقلم شري شري أناندا مورتي
في مرات عديدة قلت أن الوجود الإنساني هو عبارة عن تيار فكري.أنتم تعرفون أن النباتات و الحيوانات و البشر هم جميعاً كائنات حية,و لكن يوجد إختلافات عديدة فيما بينهم.النباتات لا تستطيع أن تحررك أو تمشي,و بالتأكيد فهي غير متطورة و تمتلك عقولاً غير متطورة.و في حالة الحيوانات,فإنها تستطيع أن تتحرك و تمتلك عقولاً متطورة قليلاً.في الحياة الحيوانية,الحياة تعني المتع الجسدية,الأكل,النوم ثم الفناء.ولكن بالنسبة للبشر فإن الحياة هي تيار فكري.ذلك أن الإنسان يستطيع أن يتخلّى,عن أي شيء و عن كل شيء من أجل فكره و مبدأه.الإنسان يمكن أن يموت من أجل مبدأه.و لكن الحيوانات لا تمتلك مثل هذا المبدأ و ليس لديها هدف في الحياة.فحركة الحيوانات بدون هدف.فهي تتحرك فقط من أجل الحصول على الطعام
جميعكم كائنات إنسانية . القدماء الذين آمنوا بالمبدأ الكوني , و ندعوهم (فايشنافا)نسبة إلى "فيشنو" و يعني الإله الكوني , قالوا : [ أتيت إلى هذا العالم كي أعبد الإله كرشنا , و لكني أصبحت مُقَيّداً بالوهم مثل شجرة
كرشنا هو الغاية الفكرية لكل كائن إنساني . ما هي الغاية من الحياة الإنسانية ؟إنها التحرك بإتجاه الشخصية الجوهرية السامية أخبرني أحدهم أن إسمه "كرشنا داشا", و يعني خدمة كرشنا . إنه إسم جيد . من أجل ماذا يأتي الإنسان ؟ كي يتصرف وفقاً لمشيئة الإله الأسمى , وفقاً لمشيئة الله الذي هو الأمنية الأسمى للكائنات الإنسانية , و لكن بسبب الأشياء التي تحول إنتباه الإنسان و بسبب الإنحرافات (بعض الناس ) يعيشون مثل الحيوانات العادية .إذا لم يتحرك الشخص بإتجاه هدفه الفكري , فهو مثل الحيوان . و لكن في رأيي إن ذلك الإنسان ليس مثل الحيوان بل أسوأ . لأن الحيوانات عندها نقص في عقولها , فهي لا تعرف ماذا و كيف و لماذا تفعل , و لكن البشر يعرفون , و لهذا (إذا لم يخدموا الله) فإنهم أسوأ من الحيوانات . و لذلك أقول: [ أصبحت مقيّداً بالوهم و أصبحت أسوأ من شجرة
في اللغة السنسكريتية كلمة فركشا تعني نبتة أو شجرة . الآن , الحياة الإنسانية هي عبارة عن تيار فكري ,أي التحرك بإتجاه نواة هذا النظام الكوني , بإتجاه هذا الكون بأكمله .(أنتم تعرفون عن "النواة" : في حالة نظامنا الأثيري , فإن الأرض هي النواة و القمر يدور حولها . و في حالة نظامنا الشمسي , فإن الشمس هي النواة و العديد من الكواكب السيّارة تدور حولها , عن معرفة أو عن غير معرفة. بشكل مشابه , بالنسبة للكون بأكمله , فإن باراما بوروشا ( الوعي الأسمى) هو النواة و الكل يدور حوله سواء عن معرفة أو عن غير معرفة . هذا هو التيار الفكري
الآن , بينما نتحرك بإتجاه ذلك الإله الأسمى , بإتجاه تلك النواة السامية للكون , على الإنسان أن يتذكر ثمانية نقاط . الحكيم بوذا حدّد هذه النقاط كالتالي
النقطة الأولى : سامياك دارشانا . دارشانا تعني فلسفة . على الإنسان أن يسترشد بفلسفة صحيحة . الفلسفة هي المرشد , و على الإنسان أن يتحرك بموجبها . ماذا نفعل و ماذا لا نفعل , ماذا يتصرف الإنسان الكامل و ماذا لا يتصرف . , كل ذلك هو سامياك دارشانا . إذاً على الإنسان أن يمتلك الفلسفة المناسبة . و إلى أن يعرف الشخص الفلسفة الصحيحة , ماذا عليه أن يفعل و كيف يتصرف بشكل صحيح ؟ إذا كنت ذاهباً إلى مكان محدّد , فأنت تتحرك وفقاً لوجهتك , أما إذا كنت لا تعرف إلى أين تذهب , فكيف يمكنك أن تتحرك . و هكذا فإن فلسفة الحياة المناسبة هي حاجة متأصلة
و لكن هل تستطيع الفلسفة أن ترشد الإنسان إذا كان نائماً ؟ إذا كانت قدرة الإنسان بشكل مستتر أو هاجع , فإنها لا تستطيع . بماذا يستطيع أن يتحرك الإنسان؟ إنه يتحرك بنزعة الدوافع المسبقة . لذلك يجب أن يكون هناك نزعة دافعة ترشدنا كي نتحرك . و هكذا يحتاج هذا الشخص تصميماً قوياً : " أنا يجب أن أتحرك , أنا يجب أن أتحرك " , و يقوم بالفعل بعد ذلك . يجب أن لا يحمل العقل أية أفكار سلبية . هل سيكون من الممكن أن أقوم بذلك ؟ يجب أن لا يتكون مثل هذا السؤال في العقل , و كل مرة يتواجد مثل هذا السؤال , فذلك يعني أنك لن تنجح في مهمتك . تفكيرك يجب أن يكون إيجابياً دائماً : "نعم يجب أن أكون ناحجاً " . يجب أن لا يكون هناك أية سؤال يتعلق بنجاحك . قال الحكيم شيفا : "العامل الأول لإحراز النجاح هو التصميم الحازم بأنني يجب أن أنجح ".
و قال الحكيم بوذا أن العامل الثاني هو سامياك سامكالبا , و يعني التصميم الصحيح هنا كلمة سامياك تعني باللغة السنسكريتية " الصحيح" . يمكن أن يقول أحدهم :"أنني سأصبح أعظم لص" . لا يعتبر ذلك تصميماً صحيحاً , و لكن سامكالبا أي التصميم يجب أن يكون مناسباً . إن التصميم المناسب و القاطع هو " يجب أن أكون ثروة للمجتمع الإنساني"
أما الشيء الثالث فهو سامياك فاك .أنتم تعرفون أن الكائنات الإنسانية تملك نوعين من الأعضاء و هي الأعضاء الخمسة الحركية و الأعضاء الخمسة الناقلة الحسية المعروفة باللغة السنسكريتية بـ كارميندريا و جيانيندريا . مجموعة كارميندريا تعرف بالسنسكريتية بـ فاك أي القيام أو التفكير أو قول شيء ما حيثما يكون هناك تعبير خارجي . ذلك هو كارميندريا . و حيثما يكون هناك حركة داخلية , أي أن نأخذ شيء ما من العالم الخارجي , فذلك يدعى جيانيندريا . فإذاً ساميك فاك هو أن يكون كل ما تفعله أو تقوله أو تلمسه يجب أن يكون بتنظيم صحيح . إنه الإتجاه الثالث للشخص الذي يتحرك مع التيار الفكري
النقطة الرابعة هي سامياك آجيفا . آجيفا لها معنيين , المعنى الفعلي للكلمة هو العمل و لكن العمل يمكن أن يكون على نوعين : العمل المادي , مثل كسب النقود, و العمل الفكري مثل مادة أو موضوع التفكير
و لهذا على الإنسان أن يمتلك عملاً شريفاً , بمعنى أن لا يفعل أو يشجّع أي شيء معادي للمجتمع أو ضد المصلحة الجماعية . هذا هو معنى سامياك آجيفا في المجال المادي . يمكن لشخص ما أن يكسب النقود من بيع الخمر أو بواسطة السرقة , هذا ليس سامياك آجيفا . عملك يجب أن يكون مفيداً و نظيفاً و لا يسير ضد مصلحة المجتمع
و النوع الثاني من آجيفا , أي العمل هو العمل الفكري . يوجد إصطلاح خاص للعمل الفكري في اللغة السنسكريتية وهو بوغا . يعني , على فرض أن شخص ما يفكر بشخص سارق , فماذا سيحدث ؟ ما هي العملية الفكرية التي تحدث ؟ عندما تفكر بشيء ما فإن عقلك ينقسم إلى قسمين . الجزء الأول هو الجانب الذاتي أو الشخصي , و الجزء الثاني هو النظير الواقعي أو الموضوعي . و عندما تفكر في شخص سيء أو لصّ فماذا سيحدث ؟ النظير الموضوعي من عقلك سوف يأخذ شكل ذلك اللص , شكل ذلك الرجل السيء , و ماذا سيحصل ببطيء ؟ إن النظير الذاتي من عقلك , أي الجزء الشاهد ( يوجد جزء شاهد و جزء فاعل ) سيتحول ببطيء إلى ذلك الرجل السيء و رويداً رويداً سوف تصبح رجلاً سيئاً . لذلك يجب أن لا يكون الرجل السيء موضوع تفكيرك أو تأملك . إذا فكرت برجل سيء سوف تصبح رجلاً سيئاً
أنتم تعرفون , يوجد حشرة معينة في الهند تسمى بيشاسكرت و هي تقتل الصراصير . أنتم تعرفون الصرصور تلك الحشرة الحمراء . و الصراصير تخاف كثيراً من هذه الحشرة . و هكذا عندما يرى الصرصور هذه الحشرة تصبح موضوع تفكيره و تصوّره , بمعنى يأخذ النظير الموضوعي من عقل الصرصور شكل الحشرة يشاسكرت) و ماذا يحدث ؟ يتحول جسد الصرصور ببطيء إلى جسد الحشرة . أي أن الصرصور ذاته يتحول إلى شكل قاتله
و لهذا فإن إنشغالكم الفكري يجب أن يكون نقياً جداً. و ما هو أفضل إنشغال فكري ؟ إنه الوعي الأسمى . كرشنا أو الوعي الأسمى هو أفضل ما يمكن أن تشغل به فكرك .و إذا أصبح الوعي الأسمى النظير الموضوعي فماذا سيحدث ببطيء ؟ فإن وجودك بحد ذاته سوف يتحول إلى الوعي الأسمى . إذاً النقطة الرابعة من التعليمات هي سامياك آجيفا . آجيفا كما قلنا تعني العمل , و باللغة السنسكريتية الحديثة تدعى جيفيكا
و بعدها النقطة الخامسة من التعاليم كانت سامياك فياجام . أنتم تعرفون أن فياجام تعني التمرين الجسدي . يوجد أيضاً العديد من التمارين التي تستخدم الآلات و أنواع أخرى كثيرة , و لكن هنا كما هو الحال بالنسبة للتمارين الجسدية , كذاك يجب أن تخضعوا للتمارين الفكرية كي تقوّا عقولكم . لهذا يجب عليكم أن تمارسوا ماذا؟ التمارين الفكرية أيضاً . التمارين الجسدية سوف تجعلكم أقوياء مثل وحيد القرن , مثل الفيل , و لكن ليسو أقوياء بالعقل و الروح . الإنسان لا يستطيع أن يكون قوياً مثل وحيد القرن أو الفيل من حيث القوة الجسدية , فذلك ليس ممكناً . لذا عليكم أن تمارسوا التمارين الفكرية و تدعى باللغة السنسكريتية ماناسك فياجام . ماناسك تعني فكريّ . يجب أن تتعلموا ذلك من معلميكم . يحب أن تتعلموا كيفية القيام بعملية التمرين الفكري
و النقطة التالية هي سامياك كارمانتا . عند بعض الناس , و لن أقول عند كل الناس هناك خلل معين , وهو أن الشخص يبدأ العمل و لا ينهيه , و هذا أمر سيء جداً . حينما تبدأ أي عمل عليك أن تكمله بترتيب مناسب , أي أن اللمسة النهائية يجب أن تكون بتنظيم صحيح . و هذا يدعى كارمانتا باللغة السنسكريتية . إذاً يقول بوذا سامياك كارمانتا, أي مهما ستفعل أو تفعل الآن يجب أن تنهيه بالأسلوب المناسب
و النقطة السابعة هي سامياك سمرتي . في اللغة السنسكريتية سمرتي تعني الذاكرة . ما هي سمرتي ؟ الذاكرة هي إعادة خلق الأشياء التي تمّ إدراكها . على فرض أنك ترى فيلاً , ما هو المصطلح السنسكريتي للفيل ؟ إنه هاشتي أو غاجا , توجد أسماء عديدة فماذا سيحدث ؟ سيأخذ النظير الموضوعي لعقلك شكل الفيل . الجزء الموضوعي لعقلك سوف يتحول إلى فيل عندما تراه فعلاً . و لكن عندما لا يكون الفيل حاضراً و لكن بإستخدام قوتك الفكرية أنت تخلق ذلك الفيل ثانيةً في الجزء الموضوعي من عقلك ,فإن إعادة الخلق هذه تدعى الذاكرة
الآن , أعتقد أن بينكم العديد من خريجي الجامعات و الأطباء , إذا طلب منكم أن تتقدموا للإمتحان النهائي للطب الآن , هل ستكونون قادرين على إجتياز الإمتحان؟ لا , لقد نسيتم كل شيء . إن ذاكرتكم لن تسعفكم . لقد أصبحت خفيفة و ضعيفة جداً بسبب التضاءل المستمر . ماذا يجب أن تكون الذاكرة الأفضل ؟ أعتقد أن معلميكم أخبروكم أنه يجب عليكم أن ترددوا المانترا الشخصية كلّما أمكن ذلك أعتقد أن ذلك كان إرشاد معلميكم , أليس كذلك ؟إذاً يجب ترديد المانترا الشخصية و مانترا السيد الروحي (غورو مانترا) بشكل فكري , و لكنكم نسيتم ذلك لأن ذاكرتكم ضعيفة . و هكذا إن أفضل موضوع للذاكرة هو الوعي الأسمى فلا تنسوه أبداً . دائماً رددوا إسمه , على حسب نصيحة معلميكم . هذه هي سامياك سمرتي , أي الذاكرة المناسبة . إن الطامح الروحي الذي رسخت عنده الذاكرة المناسبة , أي الذي لا ينسى الإله أبداً , فإن تلك الحالة للعقل تدعى دارماميغا سامادهي . تلك الغبطة التي يتمتع بها الطامح الروحي تدعى دارماميغا سامادهي
الإرشاد الثامن و الأخير هو سامياك سامادهي . على فرض أن شخص ما يركز عقله على زهرة معينة . في الوجه الأول من عملية التركيز سيختفي شكل الزهرة أولاً .و في الوجه الثاني سيختفي لونها . و أخيراً , فإن وجود الشاهد سيندمج مع الوجود النظري للزهرة . هذا الإندماج للعقل في الموضوع الذي يفكر به يُعرف بـ سامادهي
الآن , عندما يكون موضوع الفكر هو ساغونا براهما , أي الوعي المقيّد بالصفات , فإن السامادهي التي يستمتع بها المريد تدعى سافيكالبا سامادهي : و عندما يكون الهدف نيرغونا براهما , الذات الحرّة من كل الصفات , فإن السامادهي التي يستمتع بها المريد تدعى نيرفيكالبا سامادهي , و هي أعلى أنواع السامادهي
يمكن للإنسان أن يصل إلى نيرفيكالبا سامادهي عن طريق ممارسة دايانا أي التأمل الذي نوجّه به الفكر بإتجاه الوعي . ما هو المصطلح الذي يقابل كلمة دايانا بلغة بالي ؟ هل تعرفون اللغة الباليّة ؟ المصطلح في اللغة الباليّة هو جهان. و المصطلح الياباني هو زين , أليس كذاك ؟ بقوة ماذا تصلون إلى نيرفيكالبا سامادهي؟ بواسطة ممارسة دايانا أو جهان أو زين
إذاً هذه هي وجهة النظر ذات الثمانية مراحل كما وصفها الحكيم بوذا , و هذه هي النصيحة الأفضل للمريد الروحي . و على الإنسان أن يلتصق بقوة بهذه المباديء الأساسية
مساء العاشر من آب 1979 , بانكوك
--------------------------------------------------------------------------------
مقتطف من كتاب أناندا فاكانامارتام ( الجزء 30) بقلم شري شري أناندا مورتي . من مطبوعات أناندا مارغا كالكتا , طُبع بموافقة مركز أناندا مارغا للطباعة . كل الحقوق محفوظة للأناندا مارغا براشاراكا سامغا 1998
بقلم شري شري أناندا مورتي
في مرات عديدة قلت أن الوجود الإنساني هو عبارة عن تيار فكري.أنتم تعرفون أن النباتات و الحيوانات و البشر هم جميعاً كائنات حية,و لكن يوجد إختلافات عديدة فيما بينهم.النباتات لا تستطيع أن تحررك أو تمشي,و بالتأكيد فهي غير متطورة و تمتلك عقولاً غير متطورة.و في حالة الحيوانات,فإنها تستطيع أن تتحرك و تمتلك عقولاً متطورة قليلاً.في الحياة الحيوانية,الحياة تعني المتع الجسدية,الأكل,النوم ثم الفناء.ولكن بالنسبة للبشر فإن الحياة هي تيار فكري.ذلك أن الإنسان يستطيع أن يتخلّى,عن أي شيء و عن كل شيء من أجل فكره و مبدأه.الإنسان يمكن أن يموت من أجل مبدأه.و لكن الحيوانات لا تمتلك مثل هذا المبدأ و ليس لديها هدف في الحياة.فحركة الحيوانات بدون هدف.فهي تتحرك فقط من أجل الحصول على الطعام
جميعكم كائنات إنسانية . القدماء الذين آمنوا بالمبدأ الكوني , و ندعوهم (فايشنافا)نسبة إلى "فيشنو" و يعني الإله الكوني , قالوا : [ أتيت إلى هذا العالم كي أعبد الإله كرشنا , و لكني أصبحت مُقَيّداً بالوهم مثل شجرة
كرشنا هو الغاية الفكرية لكل كائن إنساني . ما هي الغاية من الحياة الإنسانية ؟إنها التحرك بإتجاه الشخصية الجوهرية السامية أخبرني أحدهم أن إسمه "كرشنا داشا", و يعني خدمة كرشنا . إنه إسم جيد . من أجل ماذا يأتي الإنسان ؟ كي يتصرف وفقاً لمشيئة الإله الأسمى , وفقاً لمشيئة الله الذي هو الأمنية الأسمى للكائنات الإنسانية , و لكن بسبب الأشياء التي تحول إنتباه الإنسان و بسبب الإنحرافات (بعض الناس ) يعيشون مثل الحيوانات العادية .إذا لم يتحرك الشخص بإتجاه هدفه الفكري , فهو مثل الحيوان . و لكن في رأيي إن ذلك الإنسان ليس مثل الحيوان بل أسوأ . لأن الحيوانات عندها نقص في عقولها , فهي لا تعرف ماذا و كيف و لماذا تفعل , و لكن البشر يعرفون , و لهذا (إذا لم يخدموا الله) فإنهم أسوأ من الحيوانات . و لذلك أقول: [ أصبحت مقيّداً بالوهم و أصبحت أسوأ من شجرة
في اللغة السنسكريتية كلمة فركشا تعني نبتة أو شجرة . الآن , الحياة الإنسانية هي عبارة عن تيار فكري ,أي التحرك بإتجاه نواة هذا النظام الكوني , بإتجاه هذا الكون بأكمله .(أنتم تعرفون عن "النواة" : في حالة نظامنا الأثيري , فإن الأرض هي النواة و القمر يدور حولها . و في حالة نظامنا الشمسي , فإن الشمس هي النواة و العديد من الكواكب السيّارة تدور حولها , عن معرفة أو عن غير معرفة. بشكل مشابه , بالنسبة للكون بأكمله , فإن باراما بوروشا ( الوعي الأسمى) هو النواة و الكل يدور حوله سواء عن معرفة أو عن غير معرفة . هذا هو التيار الفكري
الآن , بينما نتحرك بإتجاه ذلك الإله الأسمى , بإتجاه تلك النواة السامية للكون , على الإنسان أن يتذكر ثمانية نقاط . الحكيم بوذا حدّد هذه النقاط كالتالي
النقطة الأولى : سامياك دارشانا . دارشانا تعني فلسفة . على الإنسان أن يسترشد بفلسفة صحيحة . الفلسفة هي المرشد , و على الإنسان أن يتحرك بموجبها . ماذا نفعل و ماذا لا نفعل , ماذا يتصرف الإنسان الكامل و ماذا لا يتصرف . , كل ذلك هو سامياك دارشانا . إذاً على الإنسان أن يمتلك الفلسفة المناسبة . و إلى أن يعرف الشخص الفلسفة الصحيحة , ماذا عليه أن يفعل و كيف يتصرف بشكل صحيح ؟ إذا كنت ذاهباً إلى مكان محدّد , فأنت تتحرك وفقاً لوجهتك , أما إذا كنت لا تعرف إلى أين تذهب , فكيف يمكنك أن تتحرك . و هكذا فإن فلسفة الحياة المناسبة هي حاجة متأصلة
و لكن هل تستطيع الفلسفة أن ترشد الإنسان إذا كان نائماً ؟ إذا كانت قدرة الإنسان بشكل مستتر أو هاجع , فإنها لا تستطيع . بماذا يستطيع أن يتحرك الإنسان؟ إنه يتحرك بنزعة الدوافع المسبقة . لذلك يجب أن يكون هناك نزعة دافعة ترشدنا كي نتحرك . و هكذا يحتاج هذا الشخص تصميماً قوياً : " أنا يجب أن أتحرك , أنا يجب أن أتحرك " , و يقوم بالفعل بعد ذلك . يجب أن لا يحمل العقل أية أفكار سلبية . هل سيكون من الممكن أن أقوم بذلك ؟ يجب أن لا يتكون مثل هذا السؤال في العقل , و كل مرة يتواجد مثل هذا السؤال , فذلك يعني أنك لن تنجح في مهمتك . تفكيرك يجب أن يكون إيجابياً دائماً : "نعم يجب أن أكون ناحجاً " . يجب أن لا يكون هناك أية سؤال يتعلق بنجاحك . قال الحكيم شيفا : "العامل الأول لإحراز النجاح هو التصميم الحازم بأنني يجب أن أنجح ".
و قال الحكيم بوذا أن العامل الثاني هو سامياك سامكالبا , و يعني التصميم الصحيح هنا كلمة سامياك تعني باللغة السنسكريتية " الصحيح" . يمكن أن يقول أحدهم :"أنني سأصبح أعظم لص" . لا يعتبر ذلك تصميماً صحيحاً , و لكن سامكالبا أي التصميم يجب أن يكون مناسباً . إن التصميم المناسب و القاطع هو " يجب أن أكون ثروة للمجتمع الإنساني"
أما الشيء الثالث فهو سامياك فاك .أنتم تعرفون أن الكائنات الإنسانية تملك نوعين من الأعضاء و هي الأعضاء الخمسة الحركية و الأعضاء الخمسة الناقلة الحسية المعروفة باللغة السنسكريتية بـ كارميندريا و جيانيندريا . مجموعة كارميندريا تعرف بالسنسكريتية بـ فاك أي القيام أو التفكير أو قول شيء ما حيثما يكون هناك تعبير خارجي . ذلك هو كارميندريا . و حيثما يكون هناك حركة داخلية , أي أن نأخذ شيء ما من العالم الخارجي , فذلك يدعى جيانيندريا . فإذاً ساميك فاك هو أن يكون كل ما تفعله أو تقوله أو تلمسه يجب أن يكون بتنظيم صحيح . إنه الإتجاه الثالث للشخص الذي يتحرك مع التيار الفكري
النقطة الرابعة هي سامياك آجيفا . آجيفا لها معنيين , المعنى الفعلي للكلمة هو العمل و لكن العمل يمكن أن يكون على نوعين : العمل المادي , مثل كسب النقود, و العمل الفكري مثل مادة أو موضوع التفكير
و لهذا على الإنسان أن يمتلك عملاً شريفاً , بمعنى أن لا يفعل أو يشجّع أي شيء معادي للمجتمع أو ضد المصلحة الجماعية . هذا هو معنى سامياك آجيفا في المجال المادي . يمكن لشخص ما أن يكسب النقود من بيع الخمر أو بواسطة السرقة , هذا ليس سامياك آجيفا . عملك يجب أن يكون مفيداً و نظيفاً و لا يسير ضد مصلحة المجتمع
و النوع الثاني من آجيفا , أي العمل هو العمل الفكري . يوجد إصطلاح خاص للعمل الفكري في اللغة السنسكريتية وهو بوغا . يعني , على فرض أن شخص ما يفكر بشخص سارق , فماذا سيحدث ؟ ما هي العملية الفكرية التي تحدث ؟ عندما تفكر بشيء ما فإن عقلك ينقسم إلى قسمين . الجزء الأول هو الجانب الذاتي أو الشخصي , و الجزء الثاني هو النظير الواقعي أو الموضوعي . و عندما تفكر في شخص سيء أو لصّ فماذا سيحدث ؟ النظير الموضوعي من عقلك سوف يأخذ شكل ذلك اللص , شكل ذلك الرجل السيء , و ماذا سيحصل ببطيء ؟ إن النظير الذاتي من عقلك , أي الجزء الشاهد ( يوجد جزء شاهد و جزء فاعل ) سيتحول ببطيء إلى ذلك الرجل السيء و رويداً رويداً سوف تصبح رجلاً سيئاً . لذلك يجب أن لا يكون الرجل السيء موضوع تفكيرك أو تأملك . إذا فكرت برجل سيء سوف تصبح رجلاً سيئاً
أنتم تعرفون , يوجد حشرة معينة في الهند تسمى بيشاسكرت و هي تقتل الصراصير . أنتم تعرفون الصرصور تلك الحشرة الحمراء . و الصراصير تخاف كثيراً من هذه الحشرة . و هكذا عندما يرى الصرصور هذه الحشرة تصبح موضوع تفكيره و تصوّره , بمعنى يأخذ النظير الموضوعي من عقل الصرصور شكل الحشرة يشاسكرت) و ماذا يحدث ؟ يتحول جسد الصرصور ببطيء إلى جسد الحشرة . أي أن الصرصور ذاته يتحول إلى شكل قاتله
و لهذا فإن إنشغالكم الفكري يجب أن يكون نقياً جداً. و ما هو أفضل إنشغال فكري ؟ إنه الوعي الأسمى . كرشنا أو الوعي الأسمى هو أفضل ما يمكن أن تشغل به فكرك .و إذا أصبح الوعي الأسمى النظير الموضوعي فماذا سيحدث ببطيء ؟ فإن وجودك بحد ذاته سوف يتحول إلى الوعي الأسمى . إذاً النقطة الرابعة من التعليمات هي سامياك آجيفا . آجيفا كما قلنا تعني العمل , و باللغة السنسكريتية الحديثة تدعى جيفيكا
و بعدها النقطة الخامسة من التعاليم كانت سامياك فياجام . أنتم تعرفون أن فياجام تعني التمرين الجسدي . يوجد أيضاً العديد من التمارين التي تستخدم الآلات و أنواع أخرى كثيرة , و لكن هنا كما هو الحال بالنسبة للتمارين الجسدية , كذاك يجب أن تخضعوا للتمارين الفكرية كي تقوّا عقولكم . لهذا يجب عليكم أن تمارسوا ماذا؟ التمارين الفكرية أيضاً . التمارين الجسدية سوف تجعلكم أقوياء مثل وحيد القرن , مثل الفيل , و لكن ليسو أقوياء بالعقل و الروح . الإنسان لا يستطيع أن يكون قوياً مثل وحيد القرن أو الفيل من حيث القوة الجسدية , فذلك ليس ممكناً . لذا عليكم أن تمارسوا التمارين الفكرية و تدعى باللغة السنسكريتية ماناسك فياجام . ماناسك تعني فكريّ . يجب أن تتعلموا ذلك من معلميكم . يحب أن تتعلموا كيفية القيام بعملية التمرين الفكري
و النقطة التالية هي سامياك كارمانتا . عند بعض الناس , و لن أقول عند كل الناس هناك خلل معين , وهو أن الشخص يبدأ العمل و لا ينهيه , و هذا أمر سيء جداً . حينما تبدأ أي عمل عليك أن تكمله بترتيب مناسب , أي أن اللمسة النهائية يجب أن تكون بتنظيم صحيح . و هذا يدعى كارمانتا باللغة السنسكريتية . إذاً يقول بوذا سامياك كارمانتا, أي مهما ستفعل أو تفعل الآن يجب أن تنهيه بالأسلوب المناسب
و النقطة السابعة هي سامياك سمرتي . في اللغة السنسكريتية سمرتي تعني الذاكرة . ما هي سمرتي ؟ الذاكرة هي إعادة خلق الأشياء التي تمّ إدراكها . على فرض أنك ترى فيلاً , ما هو المصطلح السنسكريتي للفيل ؟ إنه هاشتي أو غاجا , توجد أسماء عديدة فماذا سيحدث ؟ سيأخذ النظير الموضوعي لعقلك شكل الفيل . الجزء الموضوعي لعقلك سوف يتحول إلى فيل عندما تراه فعلاً . و لكن عندما لا يكون الفيل حاضراً و لكن بإستخدام قوتك الفكرية أنت تخلق ذلك الفيل ثانيةً في الجزء الموضوعي من عقلك ,فإن إعادة الخلق هذه تدعى الذاكرة
الآن , أعتقد أن بينكم العديد من خريجي الجامعات و الأطباء , إذا طلب منكم أن تتقدموا للإمتحان النهائي للطب الآن , هل ستكونون قادرين على إجتياز الإمتحان؟ لا , لقد نسيتم كل شيء . إن ذاكرتكم لن تسعفكم . لقد أصبحت خفيفة و ضعيفة جداً بسبب التضاءل المستمر . ماذا يجب أن تكون الذاكرة الأفضل ؟ أعتقد أن معلميكم أخبروكم أنه يجب عليكم أن ترددوا المانترا الشخصية كلّما أمكن ذلك أعتقد أن ذلك كان إرشاد معلميكم , أليس كذلك ؟إذاً يجب ترديد المانترا الشخصية و مانترا السيد الروحي (غورو مانترا) بشكل فكري , و لكنكم نسيتم ذلك لأن ذاكرتكم ضعيفة . و هكذا إن أفضل موضوع للذاكرة هو الوعي الأسمى فلا تنسوه أبداً . دائماً رددوا إسمه , على حسب نصيحة معلميكم . هذه هي سامياك سمرتي , أي الذاكرة المناسبة . إن الطامح الروحي الذي رسخت عنده الذاكرة المناسبة , أي الذي لا ينسى الإله أبداً , فإن تلك الحالة للعقل تدعى دارماميغا سامادهي . تلك الغبطة التي يتمتع بها الطامح الروحي تدعى دارماميغا سامادهي
الإرشاد الثامن و الأخير هو سامياك سامادهي . على فرض أن شخص ما يركز عقله على زهرة معينة . في الوجه الأول من عملية التركيز سيختفي شكل الزهرة أولاً .و في الوجه الثاني سيختفي لونها . و أخيراً , فإن وجود الشاهد سيندمج مع الوجود النظري للزهرة . هذا الإندماج للعقل في الموضوع الذي يفكر به يُعرف بـ سامادهي
الآن , عندما يكون موضوع الفكر هو ساغونا براهما , أي الوعي المقيّد بالصفات , فإن السامادهي التي يستمتع بها المريد تدعى سافيكالبا سامادهي : و عندما يكون الهدف نيرغونا براهما , الذات الحرّة من كل الصفات , فإن السامادهي التي يستمتع بها المريد تدعى نيرفيكالبا سامادهي , و هي أعلى أنواع السامادهي
يمكن للإنسان أن يصل إلى نيرفيكالبا سامادهي عن طريق ممارسة دايانا أي التأمل الذي نوجّه به الفكر بإتجاه الوعي . ما هو المصطلح الذي يقابل كلمة دايانا بلغة بالي ؟ هل تعرفون اللغة الباليّة ؟ المصطلح في اللغة الباليّة هو جهان. و المصطلح الياباني هو زين , أليس كذاك ؟ بقوة ماذا تصلون إلى نيرفيكالبا سامادهي؟ بواسطة ممارسة دايانا أو جهان أو زين
إذاً هذه هي وجهة النظر ذات الثمانية مراحل كما وصفها الحكيم بوذا , و هذه هي النصيحة الأفضل للمريد الروحي . و على الإنسان أن يلتصق بقوة بهذه المباديء الأساسية
مساء العاشر من آب 1979 , بانكوك
--------------------------------------------------------------------------------
مقتطف من كتاب أناندا فاكانامارتام ( الجزء 30) بقلم شري شري أناندا مورتي . من مطبوعات أناندا مارغا كالكتا , طُبع بموافقة مركز أناندا مارغا للطباعة . كل الحقوق محفوظة للأناندا مارغا براشاراكا سامغا 1998