ما هي حقيقة الروح والادراكات الروحية

كل ما يخص علم الحكمة والفلسفة ومدارسها
أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
سمير العاشقي
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 787
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
الجنس: اختار واحد

ما هي حقيقة الروح والادراكات الروحية

مشاركة بواسطة سمير العاشقي »

ما هي حقيقة الروح والإدراكات الروحية؟

أهي مجردة من المادة أم هي ظاهرة مادية؟

وبعبارة أخرى نقول: أن الاختلاف في ماهية وكيفية واقع هذه الأمور وحسب ما مر علينا إثباته في المقالة الأولى فإنه لا يمكن إثبات وجود شيء أو كيفية وجوده (ماهيته) إلا بوساطة المعايير الفلسفية الخاصة فقط. ولا اختلاف بين الجميع فيما ذكر من هذه الأمور الأربعة وهي:

1-وجود الإدراكات.

2-حدوث سلسلة من العوامل الخارجية.

3-حدوث النشاطات العصبية.

4-وجود سلسلة من القوانين الروحية.

ويثبت العلماء الروحيّون - عن طريق عدم انطباق خواص الأمور الروحية على الخواص العامة للمادة- إن الأمور الروحية (وهي تلك الأشياء التي نعيها بالعلم الحضوري) ليست مادية، وحينئذ لا يمكن أن تنطبق على النشاطات العصبية. إذن فالنشاطات العصبية مقدمة لظهور سلسلة من الأمور غير المادية وليست عين تلك.

أما العلماء الماديون فهم لا يلتفتون إلى أصل الموضوع ولا يثبتون لنا أم ما ندركه هو عين هذه النشاطات العصبية وإنما يشذون عن الموضوع ويذكرون مواضيع مأخوذة من الكتب الفيزيائية أو الفسيولوجية أو من علم النفس (بأساليبها الخاصة وهي المشاهدة والتجربة مما يبعدنا عن ماهية الأمور الروحية وكيفيتها) وهي لا ترتبط إطلاقاً بما يقوله الفلاسفة.

ويتصور هؤلاء أن القائلين بكون الروح والأمور الروحية مجردة لا يعلمون شيئاً مما يقول هؤلاء وإذا فرضنا أنهم قد أحاطوا بهذا علماً لما بقي أي داع لاعتقادهم بتجرد الروح. ي

مثلاً يقول الدكتور الآراني في كتيب له بعنوان "البشر من وجهة النظر المادية":

"تحدث في حال التفكير تغييرات مادية أكبر في قشرة المخ وتتجه كمية أكبر من الدم نحو المخ فيمتص غذاءً أكثر ويطرد مواد فسفورية أكثر بحيث تزيد كمية هذه المادة في إدرار الشخص المفكر، أما في حالة النوم حيث تقل أعمال المخ فإنه يمتص غذاءً أقل وهذا بنفسه دليل على كون الآثار الفكرية مادية".

وسائر الأدلة التي يذكرها الماديون أيضاً من هذا القبيل، أي أنها جميعاً خارجة عن موضوع البحث، بل ادعى بعضهم أكثر من هذا فقال إنني قمت بتشريح البدن فلم أجد أثراً للروح، إذن لا وجود للروح.

وينقل فيلسين شاله في القسم المسمى بـ "ما وراء الطبيعة" عن "بروسه" أحد علماء وظائف الأعضاء الماديين قوله:

" إنني لن أؤمن بوجود الروح إلا إذا اكتشفتها تحت مشرط التشريح".

والحقيقة إن قراءة كتب الماديين تثبت للإنسان إن هؤلاء لم يكن لهم اطلاع صحيح وسليم على عقائد الفلاسفة الإلهيين والروحيين ولا على آراء هؤلاء العلماء فيما يختص بالله والروح وسائر المواضيع، وتنحصر معلوماتهم في هذا المضمار بما هو شائع بين العامة فيما يتعلق بالروح والجن والملائكة، أو بما يقوله المثاليون وهو أحط وأتفه مما يقوله العامة) أننا عندما نستعمل حواسنا فإن


المادة الواقعية تترك أثراً في سلسلة الأعصاب والمخ وينتج عن هذا رد فعل مادي يظهر فينا بمجرد استعمال ويزول مباشرة بعد


صرف تلك الحاسة عن وظيفتها. ولكننا نظفر بشيء - نتيجة هذا العمل - نسميه بالإدراك.


ولا نستطيع أن نقبل كون هذا المنظر العريض للعالم- بكل خصوصياته المحيرة وكل خطوطه وسطوحه وأجسامه التي تتجلى لنا على أنها متصلة- قد خزن واستقر في مجموعة مادية صغيرة من الأعصاب والمخ مكونة من أجزاء منفصلة عن بعضها ومتراكمة وهي بمجموعها أصغر من جسمنا.


ومن جهة أخرى فنحن نلاحظ اختلافات في أثناء استعمال الحواس (أخطاء الحواس) في الأشياء المحسوسة، ولا يدعنا هذا أن نقول بأن واقع العالم المادي الخارج عنا قد أدركناه كما هو وحصلنا عليه بنفسه.



إذن هذه الصورة الإدراكية ليست حاله في مادتنا ولا في المادة الخارجة عنا.

وخلاصة الحديث أنه لما كانت هذه الصورة الإدراكية تفتقد الخواص العامة للمادة (من قبيل الانقسام-عدم انطباق الكبير على الصغير) فهذه الصورة إذن غير مادية.

إشكـــال

قد يعترض إنسان على ما ذكرنا فيقول: إن الإدراك هو تلك الحالة المادية الحاصلة في المخ والأعصاب. أما موضوع الكبر والصغر والبعد والقرب فقد حلت البحوث العلمية كل إشكال فيه. فالعلم الحديث يعتقد بأن جهاز الإدراك البصري ليس إلا " آلة تصوير" دقيقة فحسب، وتتجمع كل الأشعة الواردة في النقطة الصفراء للعين فيتحقق الإبصار (كانت هناك نظريتان شائعتان بين القدماء بشأن كيفية الإبصار وكيفية تحقق الرؤية:

أ-نظرية الانطباع.

ب-نظرية خروج الشعاع.

ويعتقد أصحاب نظرية الانطباع بأن عدسة العين جسم شفاف وصقيل مثل المرآة ، ، ولهذا فكل جسم يقف أمامها فإن صورة منه تقع على سطحها فيتحقق الإبصار. وتنسب هذه النظرية إلى أرسطو وأتباعه وإلى محمد بن زكريا الرازي وابن سينا من العلماء المسلمين.

أما أصحاب نظرية خروج الشعاع فهم يعتبرون عدسة العين جسماً ينبع منه نور تماماً مثل النار والشمس والنجوم، وهم يعتقدون بأن العين يخرج منها شعاع من النور فيصطدم بالجسم المقابل لها فيتحقق الإبصار.

وانقسم أصحاب هذه النظرية إلى فئتين: أولاهما تعتقد أن ذلك الشعاع مخروطي الشكل يقع رأسه في العين وقاعدته على الجسم المرئي، والأخرى تعتقد بأنه اسطواني الشكل، وطرفه الواقع على الجسم المرئي يكون دائماً في حركة واضطراب. وتنسب هذه العقيدة إلى أفلاطون وجالينوس وأتباعهما. واعتنقها من العلماء المسلمين نصير الطوسي وعدة آخرون.

وقد سرد اتباع كل من النظريتين أدلة لصالحهم وضد خصومهم، وهي مذكورة في كتب الفلسفة. ومن جملة الإشكالات التي وجهها أصحاب نظرية خروج الشعاع إلى أصحاب نظرية الانطباع هو إشكال عدم انطباق الكبير على الصغير المشار إليه في المتن. وأجاب عليه أصحاب نظرية الانطباع بنفس الجواب المذكور في المتن. وهذا الجواب مقبول اليوم يبن العلماء الطبيعيين.

وللشيخ شهاب الدين المعروف بشيخ الإشراق عقيدة ثالثة ليست مهمة ولهذا أعرضنا عن ذكرها.

وللفيلسوف الإسلامي الكبير صدر المتألهين رأي خاص في باب حقيقة الإبصار فهو يقول: على فرض صحة أية واحدة من هاتين النظريتين فإن ذلك لا يفسر حقيقة الإبصار لأن كلتا النظريتين تتعلقان بالعمل الطبيعي (الفيزيائي) للعين، والإبصار هو ما وراء العمل الطبيعي. وبإثبات هذا العالم لنظريته في باب اتحاد العاقل والمعقول واتحاد الحاس والمحسوس فقد أثبت أن النظر هو لون من النشاط الإبداعي للنفس، ويعتبر العمل الطبيعي (الفيزيائي) مقدمة له، فبعد أن يتم العمل الطبيعي تقوم النفس - بقدرتها الفعالة - بإبداع وإنشاء صورة مماثلة للشيء المحسوس في جانب منها.

يقول صدر المتألهين في الجزء الرابع من الأسفار ضمن رده لنظرية أصحاب الانطباع:

"وهذا بعد تمامه إنما يدل على انطباع الشبح فيه لا كون الإبصار به".

وفيما يتعلق بنظرية خروج الشعاع يقول:

"نحن لا ننكر أيضاً تحقق الشعاع من البصر إلى المرئي صورته لكن نقول لا بد في الرؤية من حصول صورة المرئي للنفس".

وحسب نظرية صدر المتألهين فإن كلتا النظريتين السابقتين تفسران فقط العمل الطبيعي (الفيزيائي) للعين، ولا تفسران حقيقة الرؤية والإبصار من الناحية الفلسفية.

وطبق الدراسات الأخيرة للعلوم الطبيعية في موضوع الضوء من جهة وفي كيفية تركيب العين من جهة أخرى فقد أصبح من المسلم أن هاتين النظريتين خاطئتان حتى من ناحية تفسير العمل الطبيعي للعين، أي أنه ليس انطباعاً ولا خروجاً للشعاع. وتقول الدراسات العلمية الحديثة أن جهاز العين تماماً مثل آلة التصوير (الكامرا)، فالأشعة المباشرة أو المنعكسة من الجسم المرئي تقتحم العين وتمر خلال الغشاء الشفاف للقرنية والرطوبة المائية وتصل إلى إنسان العين ثم تمر من خلال عدسة العين وترسم صورة من نور في نقطة معينة حسب خواص العدسات وتسمى تلك النقطة الواقعة في الشبكية والتي ترتسم فيها الصورة باسم النقطة الصفراء.

ويعلم القارئ الكريم أن هذه النظرية الحديثة في كيفية الإبصار ولو أنها تبطل النظريتين الماضيتين ولكنها لا تمس نظرية صدر المتألهين بأي ضرر. وجواب الإشكال المذكور في المتن مبني على نظرية صدر المتألهين،ويتلخص في أن هذه الأعمال الطبيعية (الفيزيائية) لا تستطيع تفسير حقيقة الإبصار) . ونحن لا نرى شيئاً سوى تلك النقطة.

وكل ما في الأمر أننا نقيس بقية الأجزاء من أصغر جزء نشاهده في هذه النقطة، ومن هذه النسب والفواصل بين الأجزاء نظفر بالكبر والصغر النسبيين.

وتؤثر في هذه الحال أيضاً الكيفيات الأخرى من قبيل الظلال وما يشبهها. وإلى هنا فإن الاختلافات النسبية تكون مؤثرة.

ولما كنا قد قسنا في مشاهداتنا الأخرى حجم باصرتنا

بأجسامنا ، وأجسامنا بالأجسام المغايرة لنا فنحن نعلم إذن وبشكل نسبي إلى أي حد يجب علينا أن نكبر هذه الصورة لنقترب من الحقيقة.

واختصار فإننا في حالة الرؤية نفيد من أفكارنا ونستوعب العالم الواسع ونتخيل أننا قد أدركنا هذا الكبر بوساطة أبصارنا.

الجواب

نحن لم ننكر في حديثنا الماضي أياً من هذه الحقائق العلمية وإنما كان حديثنا يرمي إلى شيء آخر وهو أن ما ندركه بإضافة العلاقات التصديقية وفكر المدرك فهو يشكل شيئاً واحداً ويوجد من هذا ما يطلق عليه صاحب الإشكال بالصورة الخيالية، وهذه الصورة الخيالية لا تنطبق عليها الخواص العامة للمادة في الوقت الذي تكون فيه هذه الظاهرة ذات خواص مادية حال وقوعها في النقطة الصفراء أو في المخ.

وعلاوة على هذا فإن هذه العلاقات التصديقية (إن هذا هو ذاك - إن هذا بهذا الشكل) لا تقبل الانقسام، ولو كانت هذه ظاهرة مادية وحالة في المخ لانقسمت بانقسام المخ. ومن هنا فإننا لا نستطيع أن ننسبها إلى أشعة مجهولة ولا إلى أمواج غير مرئية، لأن هذه جميعاً أمور مادية ولها أحكام المادة.

إشكال

نحن لا نرى في الخط والسطح والجسم خواص المادة، وعدم


رؤية شيء لا يعني أنه غير موجود. ونحن نرى أحياناً الخط والسطح والجسم بشكل شيء واحد متصل، وهذا يعني أننا نشاهد أجزاء المادة ولا نشاهد الفواصل (الفراغات)، ولا يعني كوننا قد رأينا أنه لا توجد فواصل وعندئذ نتخيل وجود أشياء ليس لها خواص المادة.

الجواب

لا كلام لنا في صحة هذا الحديث، ولكنه على العكس مما ينتظر صاحب الإشكال فإنه يؤدي إلى نتيجة لصالحنا فنحن نرى الخط والسطح والجسم بلا فراغات،إذن هذه الأشياء موجودة في إدراكنا بلا فراغات (إن من جملة الإدراكات والتصورات الحاصلة للذهن إدراك الكميات المتصلة. ويقال عادة لها في تعريف الكم المتصل هو تلك الكمية المرتبطة أجزاؤها ببعضها كالخط والسطح. ومن الواضح كون هذا لا يعني للكم المتصل أجزاءً بالفعل وهي متصلة ببعضها، وإنما المقصود منه أنه يوجد بين كل جزأين مفروضين حدّ مشترك وليس بينهما انفصال. وهذا بخلاف الكميات المنفصلة التي لها أجزاء بالفعل وتكون تلك الأجزاء مستقلة عن بعضها ومنفصلة. إذن الكم المتصل هو الشيء الواحد الذي له امتداد واتصال كالخط المستقيم والمنحنى والدائرة والسطح.

وتوجد في هذا اللون من الإدراكات ملاحظتان من الناحية الفلسفية لا بد من الالتفات إليهما:

أ-ما هو منشأ هذه التصورات ومن أين نشأت هذه المفاهيم؟

قالت مجموعة من الفلاسفة الأوربيين ممن يطلق عليهم اسم العقليين (وهم القائلون بأن بعض التصورات تنشأ من الفطرة ولا تنتهي إلى الحس) إن منشأ هذه التصورات هو العقل. وتقول هذه الفئة: لما كانت النقطة (ذلك الشيء هو بدون بعد) والخط (ذلك الشيء ذو البعد الواحد) والسطح (ذلك الشيء ذو البعدين) لا وجود لها في الخارج، والموجود في الخارج إنما هو تلك الأشياء ذات الأبعاد الثلاثة وهي الأجسام، إذن منشأ هذه التصورات لا يمكن أن يكون هو الإحساس لأن الإحساس فرع كون المحسوس موجوداً في الخارج، وعلى هذا تكون هذه التصورات ناشئة بصورة مباشرة من العقل.

أما الفئة الأخرى فهم الحسيون (القائلون بأن جميع التصورات والإدراكات منتهية إلى الحس) الذين يعتقدون بأن منشأ التصورات الرياضية أيضاً هو الإدراكات الحسية الخارجية. ويزعمون أن تصور النقطة والخط والسطح والدائرة قد حصل للذهن نتيجة لرؤية الأشياء في الطبيعة، ولكن تلك الأمور التي نشأ منها ابتداءً تصور هذه المفاهيم ليست هي المصداق الواقعي الدقيق وإنما هي نماذج ناقصة للذهن، ثم بعد أن يحيط الذهن بها علماً فإنه يصوغ بقدرته الفعالة النماذج الكاملة لها. مثلاً عندما نرى سم الخياط (ثقب الإبرة) فإنه يصبح نموذجاً للعقل لكي يخترع تصور النقطة الحقيقية وعندما نشاهد خيطاً دقيقاً أو شيئاً مدوراً كالبدر في الليلة الرابعة عشرة فإن هذا يصبح نموذجاً للذهن ليبدع تصور الخط والدائرة بمعناهما الهندسي.

وما يقوله العقليون من أن تصور المفاهيم الهندسية لا يستند إطلاقاً إلى الإحساس فهو غير صحيح، ودليلهم على ذلك غير تام.

(وقد أثبت ذلك في الفلسفة في باب نسبة المقدار إلى الجسم)، ولكن هذا المقدار- وهو أن إدراك الكميات المتصلة لا يمكن بدون تدخل الذهن ونشاطه - فهو مورد اتفاق بين العلماء ولم يتردد فيه حتى العلماء الحسيون.

ب-سواء أقلنا أن المنشأ الأصلي لتصور الخط والتسطح والدائرة هو العقل أو الحس (كما في النزاع الماضي) فلا شك بأن هذه الأمور -بكيفياتها وخواصها التي ندركها- لا وجود لها في الطبيعة المادية، لا من جهة "إن الخط مثلاً له بُعد واحد والسطح له بعدان أما الوجود في الطبيعة فهو الجسم ذو الأبعاد الثلاثة" كما يقول العقليون الأوربيون، وإنما من جهة كون الموجودات في الطبيعة (أعم من المادة المخية والمادة الخارجية) منقسمة ولها أجزاء ومفاصل، أما هذه الأمور في حيز الإدراك فهي متصلة، فنحن ندرك مثلاً الحد الفاصل بين سطحي المكعب بصورة خط ، والحد الفاصل بين جسم ما والفضاء الخارجي بصورة سطح، والرسم الناتج من حركة أحد طرفي الفرجار بصورة دائرة، مع إننا نعلم من القرائن العلمية القطعية إنه لا وجود للخط والسطح والدائرة بهذه الكيفيات في المجال المادي، بل لعله يقال أنه لا وجود للدائرة إطلاقاً في الطبيعة، إذن الأمور بهذه الخواص المعينة الموجودة في أذهاننا ليست مادية، والذهن هو الذي يصورها في مجاله الذهني أو الهندسي المتفاوت عن المجال المادي..

ونحن نرسم في أذهاننا خطوطاً وأشكالاً للمواضيع الهندسية ثم نصدر عليها أحكاماً ثابتة قطعية. فنحن مثلاً نرسم في أذهاننا دائرة أو مثلثاً ثم تصدر عقولنا الأحكام الخاصة بالدوائر والمثلثات بشكل يقيني وقطعي (تعتبر الرياضيات من أكثر العلوم يقينية) مع أن هذه الأحكام لا موضوع لها في الطبيعة المادية.

يقول فيلسين شاله في كتاب "معرفة المناهج"( methodologid) في فصل "أسلوب الرياضيات":

"إن الذهن يرسم الأشكال الهندسية في فضاء موهوم شبيه بالمكان المحسوس ولكنه ليس هو بعينه. والمقصود من المكان المحسوس هو البيئة التي يجد فيها الإنسان الأشياء الخارجية، وهذه البيئة يدركها الإنسان البصير بوساطة عينية، أما الإنسان الأعمى فهو يدركها بوساطة اللمس وإعانة من السمع. والمكان المحسوس دائماً مليء بالأشياء، ولما كانت هذه الأشياء مختلفة من حيث المقاومة فالمكان المحسوس يصبح غير متجانس ومحدوداً أيضاً لأن المسافة التي يمكن منها سماع الصوت أو الرؤية محدودة، أما الفضاء الهندسي فهو - على خلاف المكان المحسوس - بيئة فارغة متجانسة قابلة للقسمة إلى غير نهاية".

وخلاصة هذا الحديث هي أن إدراكاتنا للكميات المتصلة لا تتطابق مع الخواص المعينة للمادة، إذن لابد أن نعتبر هذه الإدراكات غير مادية). وبعبارة أخرى نقول: أن صاحب الإشكال يؤكد

على أننا نتخيل في مورد إدراك الخط والسطح والجسم وجود أمور ليس لها خواص المادة أي أنه في حدود التخيل قد وجدت أشياء ليس لها خواص المادة، وهذه الأشياء موجودة حقيقية، فالخطأ والصواب والخيال والحقيقة إنما هي مفاهيم نسبية وقياسية.

والصور الخيالية في أذهاننا عندما نقيسها إلى الخارج فإنها تعتبر خيالاً وإلا فأنها حقيقة من الحقائق إذا قصرنا النظر عليها بذاتها.

وما قلناه بالنسبة إلى المحسوسات بالحواس الظاهرة يصدق أيضاً بالنسبة إلى الأمور الروحية من قبيل الإرادة والكره والحب والعلم والتصديق (وباصطلاح المنطق الوجدانيات)، فنحن نلاحظ هذه الظواهر بوضوح في أنفسنا وهي تفتقد الخواص العامة للمادة من قبيل الانقسام والتحول فهذه الظواهر النفسية إذن ليست مادية أيضاً.


8O 8O 8O
 تنبيه مهم : عليك ان تقرأ الشروط عند تقديم اي طلب جديد والا سيتم حذف موضوعك •• اقرأ الشروط ••
صورة العضو الرمزية
الريم
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 375
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
الجنس: اختار واحد

مشاركة بواسطة الريم »

موضوع جداً رائع والحديث فيه يطول
تعجبني كثيراً المواضيع التي تدورحول الروح وتجعلني أفكرملياً في
كل مايدورحولي من الأشياء الغيرحسية
فألف شكرلك أخي سمير ولاحرمنا الله من مثل هذه المواضيع الراقية

دمت بود
تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
صورة العضو الرمزية
سمير العاشقي
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 787
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
الجنس: اختار واحد

مشاركة بواسطة سمير العاشقي »

ردودك دائما تجعلني مسرورا فرحا وكاني داخل اسرتي واهلي حفظكي الله تعالى من كل مكروه ووفقك لكل خير وجعلك محبوبا في النيا والاخرة
صورة العضو الرمزية
الريم
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 375
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
الجنس: اختار واحد

مشاركة بواسطة الريم »

أهلاًبك أخي سمير أنت حقاً بين أسرتك وأخوتك وأنا لم أكتب ردي السابق
إلا لأنني حقاًأعجبت بالموضوع ومافيه لأنني شعرتُ كما لو انني في رحلة فوق التصور
واجتياز مدارالمادة والأشياء المحسوسة واختراقها للإنتقال إلى عالم الروح ومعرفة النفس
في رحلة عجائبية

حقاً أشكرك بكل لغات الشكرالتي تعارف عليها الشعوب
دمت بود
تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
صورة العضو الرمزية
سمير العاشقي
عضو متميز فعال
عضو متميز فعال
مشاركات: 787
اشترك في: الأحد 16-7-2006 8:05 pm
الجنس: اختار واحد

مشاركة بواسطة سمير العاشقي »

شكرا جزيلا لك على ردك وتقيمك للموضوع بارك الله تعالى بك والهمك الحكمة والمعرفة
صورة العضو الرمزية
كرم الدين
عضو
عضو
مشاركات: 32
اشترك في: الأحد 20-3-2011 4:27 pm
الجنس: اختار واحد

ما هي حقيقة الروح والادراكات الروحية

مشاركة بواسطة كرم الدين »

موضوع شيق شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك . ...‎
تبارك النور القدوس الذي انبثقت به الحياة
أضف رد جديد
  • المواضيع المُتشابهه
    ردود
    مشاهدات
    آخر مشاركة

العودة إلى ”الحكمة والفلسفة“